معا لإنصاف المعلمين

عبد الله محمد الفلالي

الصفعة القوية التي تعرض لها أحد المعلمين بالأمس، من قبل أحد المنتسبين للقطاع الأمني، تبين مدى استهتار القائمين بالأمر في هذا البلد بهذه الفئة، التي تعد الدعامة والركيزة الأساسية لأي بلد يسعى للنهوض.

 

هذا الاستهتار أخذ أوجها عديدة، بدءا برواتبهم المزرية، وانتهاء بضربهم في الساحات العمومية، ففي كتلة الرواتب يمثل راتب المعلم ما نسبته التقريبية 15% من راتب المكلف بمهمة، و9% من راتب النائب، و5% من راتب الوزير، و1.5% من راتب رئيس الجمهورية، وبالعودة لنظام الأسلاك المتعارف عليه في الوظيفة العمومية، والذي يقسم الموظفين العموميين لأربع فئات "أ" و"ب" و"ج" و"د"، فإن الموظفين من الفئة "أ" في بعض القطاعات الحكومية يتقدمون في كتلة الرواتب على الموظفين من فئة "ب" و"ج" في قطاع التعليم، فهل من استهتار أوضح من هذا؟

 

لا تبذل الحكومة جهودا لتصحيح المسار وإصلاح الخلل بل تتمادى بما يثقل كاهل المعلمين ويزيد عليهم الأعباء، ففي بداية عهد الرئيس: محمد الشيخ الغزواني أعلن عن بدء المدرسة الجمهورية، وصار التعليم الأساسي حكرا على المدارس الحكومية، وتم تعريب المواد العلمية في المرحلة الأساسية على أمل اكتمال ذلك في العام الدراسي 2026 – 2027 م، مما زاد الضغط على المعلمين وأدى لاكتظاظ الفصول المدرسية، وتعطيل بعض القوانين المنظمة للعمل والتي تحدد الحد الأقصى لتلاميذ القسم بخمسين تلميذا، وأوجد حالة من عدم التوازن داخل المؤسسات التعليمية، وأضحى الفراغ الذي تركه تعريب المواد العلمية جليا، وفاقم الوضع هجرة الكثير من المعلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثا عن فرص عمل ووظائف أفضل.

 

لم تجد الوزارة من وسيلة لسد الفراغ إلا بزيادة ساعات العمل على المعلمين الميدانيين، مقابل وعد بعلاوة فصلية لا تلبي الحد الأدنى من حاجة المدرس، الأمر الذي رفضه المعلمون وخرجوا في إضرابات واحتجاجات لتحسين وضعهم المادي، إن إصلاح المنظومة التعليمية واجب وطني وديني، وإصلاح هذه المنظومة يبدأ بحجر الأساس في العملية وهو المعلم، بتأهيله وتكوينه ووضعه في ظروف اقتصادية تمكنه من أداء المهمة.

 

فزيادة راتبه بالضعف وتوفير المسكن له ضرورة تمليها الوقائع، وتجاهل مطالبهم لن يؤدي إلا إلى خلق فئة هشة وتكوين جيل فاشل، يقول برتراند راسل: عندما تعطي الموظف 100 دولار راتب، وأنت تعلم أنه بحاجة إلى 500 دولار كي يعيش طبيعيا، فأنت تخلق منه موظف فاسد.

 

وكل فساد يرجى إصلاحه إلا فساد المنظومة التربوية والأخلاقية، يقول الشاعر أحمد شوقي:

 

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا

 

لذا الجد الجد، والعمل العمل لإصلاح المنظومة التربوية، وتحسين ظروف العاملين فيها، فكلم راع ومسؤول عن رعيته، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105)} [التوبة].

 

16 November 2024