صحراويون في ذكرى المسيرة: المغرب يكسب تحدي التنمية بالأقاليم الجنوبية
“مكاسب، طفرات، تنمية، ازدهار، رخاء…”، مصطلحات لا يكاد يخلو منها تقييم أي مواطن من مواطني الأقاليم الجنوبية لحصيلة تسع وأربعين سنة مضت منذ عودة الصحراء المغربية إلى حضن الوطن بمسيرة خضراء تطوع لها مئات الآلاف من المغاربة. هؤلاء يؤكدون، وهم يحتفلون بذكرى الحدث، أن ملف النزاع المفتعل بالنسبة إليهم “حسم وطوي”، فالدول المقرة بسيادة المغرب على هذه الأقاليم في تزايد، وسرعة عجلة التنمية تأبى إلا أن ترتفع “لتصير بمدن الصحراء نحو مضاهاة عواصم عالمية في قوة البنية التحتية وجودة المرافق والخدمات العمومية”.
جريدة هسبريس الإلكترونية، التي حضرت مراسم إحياء جهة كلميم-واد نون، من بوابة الصحراء المغربية، ذكرى المسيرة الخضراء، التقطت شهادات متطابقة لقدماء مقاومي الصحراء المغربية، وأعيان قبائلها وعائدين إليها من مخيمات الاحتجاز في تندوف، تلتقي عند رسالة واحدة هي أن “مسيرة نحو خمسة عقود من الجمع بين تنمية الأقاليم الجنوبية وتكثيف الجهود السياسية والدبلوماسية للترافع عن مغربيتها، أثمرت إجماعا دوليا على إسناد الطرح المغربي في الملف، وعقما لجهود المجافين للوحدة الترابية”.
هؤلاء الصحراويين الذين أبوا إلا أن يحلوا في صفوف المرافقين لرئيسة الجهة سالفة الذكر، امباركة بوعيدة، ووالي الجهة عامل إقليم كلميم، محمد الناجم أبهاي، في تدشين مشاريع تنموية بكلفة فاقت مئات ملايين الدراهم، شددوا كذلك على أن “مشاريع كبرى مثل الطريق السريع تزنيت-الداخلة، والموانئ العصرية للمدن الصحراوية، وحدها تكفي لإثبات تمكن المغرب من كسب تحدي التنمية، وهو مؤكد”.
“عالمية المدن”
البداية كانت مع سليم كمال، أحد أعيان قبائل كلميم، الذي قال لهسبريس إن “المغاربة يحتفلون اليوم بذكرى حدث بهيج ومشهود نظرا لأنه مكن من استرجاع الصحراء المغربية بعد عقود طويلة من المعاناة والجلد والنضال ضد سلطات الاستعمار الإسباني والكفاح من أجل نيل الاستقلال، وسيحتفي بها كذلك أبناؤهم وأحفادهم ومختلف الأجيال المغربية اللاحقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، نظرا لوزنها التاريخي والسياسي بالنسبة للمملكة”.
واستحضر كمال، وهو أحد قدماء المقاومين في جيش التحرير، أنه “بعد إعادة الصحراء إلى حضن وطنها، ظل الأعداء طيلة 49 سنة، وما زالوا، يتربصون بالوحدة الترابية للمغرب، غير أن مكائدهم فشلت وخابت آمالهم بهدم هذه الوحدة، مقابل نجاح السياسة المغربية في تدبير هذا الملف، وإثمار الدبلوماسية الوطنية انتزاع الاعتراف من العالم كله بكون هذه الصحراء خاضعة للسيادة المغربية”.
“مدن الصحراء المغربية اليوم أصبحت ترقى إلى مستوى عواصم عالمية عدة، إذ تتوفر على جميع المستلزمات الحيوية للحياة، من سكن لائق وطرق وموانئ، وبات سكانها ينعمون بكل وسائل الرخاء من مؤسسات تعليمية وصحية متقدمة، ولله الحمد”، يقول الرجل الصحراوي بنبرة تشع تفاؤلا، قبل أن يردف: “الملك لخص دلالات هذه المقاربة التنموية بتأكيده أن المغرب انتقل من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير في هذا الملف. حسم الأمر”.
وتذكر عبد الله هماوي، أحد المشاركين في المسيرة الخضراء، مشاهدَ المسيرة الخضراء، قائلا: “في مثل هذه اليوم كانت الطائرات الإسبانية تحوم فوق رؤوسنا، ما جعل الخوف يتملك البعض من أن تقصفنا، إلا أن المسيرة مرت بسلام، ومد الله إلينا في العمر لنقف هنا تخليدا لهذا اليوم الأغر”.
هماوي، وهو أحد أعيان قبيلة إيغيسين بكلميم واد نون، تمسك في حديثه لهسبريس بكون “كل مغربي يملك ذرة من الغيرة على وطنه يحتفل بهذا الحدث الذي ظلت بعده الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه”، مضيفا أن “الصحراويين يجددون بهذه الذكرى بقاءهم على شعار المملكة”.
وتابع بنبرة ارتياح: “مشاريع التنمية اليوم هي على قدم وساق، ويكفينا كصحراويين مشروع الطريق السريع تزنيت-الداخلة وموانئ العيون والداخلة وطانطان”، مضيفا أن “قنصليات بالصحراء يتخطى عددها الثلاثين، ودولا كبيرة تعترف بمغربية الصحراء مثل أمريكا وفرنسا وإسبانيا. الحمد لله”.
“التحدي كسب”
أما سيدي أحمد الركيبي، الذي عاد من مخيمات تندوف سنة 2010، فأكد أنه “طيلة تسع وأربعين سنة، تدفق الآلاف من الصحراويين عائدين إلى أرض الوطن، ما أثبت لكل دول المعمور مصداقية مغربية الصحراء وسيادة المملكة على ترابها من الشمال إلى الجنوب”.
الركيبي في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، ذكر أن “عجلة البناء والتنمية ظلت تدور خلال العقود الماضية، وزادت وتيرة سرعتها في السنوات الأخيرة من خلال ضخ مشاريع عدة ستستفيد منها الأجيال الحالية واللاحقة كذلك”، عادا أن “التحدي الأساسي والرئيسي في هذا الملف كان هو تنمية هذه الأقاليم الصحراوية، وقد حسمه المغرب بهذه المشاريع التي أصبحت تفتح شهية الدول الأوروبية المتعطشة إلى ولوج الأسواق الإفريقية”.
ولم يعر العائد من مخيمات تندوف أهمية “لما تخلل قرار محكمة العدل الأوروبية الأخير من مغالطات؛ فالصحراويون يقطنون بالصحراء المغربية، ويتمتعون بحقوقهم الكاملة كأي مواطن مغربي”، مضيفا بنوع من الحسم أن “موقف فرنسا بشأن مغربية الصحراء وقبله موقف إسبانيا يجعلان قرار محكمة العدل الأوروبية لا شيء”.
صالح تيسينت، الذي تطوع وهو ابن 22 سنة للمشاركة في المسيرة الخضراء، رغم “منع الأسرة”، قال لهسبريس إنه لبى “نداء الملك الحسن الثاني، الذي تمخضت عنه معجزة استرجاع الصحراء بمسيرة سلمية”.
تيسينت، أحد أعيان قبيلة تغمرت بكلميم واد نون، اعتبر “مواقف الدول الكبرى المتوالية الداعمة لمغربية الصحراء تأكيدا على كسب المغرب للرهان”، وأن “هذه المكاسب المحققة في عهد الملك محمد السادس، حق للصحراويين ولعموم المغاربة أن يفتخروا بها”.
وقرأ تيسينت في موقف فرنسا “جهدا كبيرا كان منتظرا منها، على اعتبار أن مغربية الصحراء مسندة بحقائق تاريخية”، مبديا بحماس كبير استعداده “وكل المقاومين وتجندهم للانخراط في مسيرة أخرى إذا اقتضى الحال”.