بين المغرب وفرنسا تحول في العلاقات الدبلوماسية وإحباط لدى الخصوم
لقد أصبح التأكيد الفرنسي الأخير على دعمه للسيادة المغربية على الصحراء خلال خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون نقطة محورية في الصراع المغربي الجزائري الطويل الأمد حول الصحراء. إن تصريحات ماكرون التي ألقاها داخل قبة البرلمان المغربي لدعم سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية لم تمثل مجرد التفاتة دبلوماسية ثمينة فحسب، بل كانت أيضًا موقفًا استراتيجيًا قويًا، مما عزز العلاقة التي تمتد لقرن من الزمان. وقد أثار هذا الموقف الفرنسي الجريء قلقا كبيرا من جانب الجزائر وجبهة البوليساريو. ومع هذا التحول العظيم في المشهد السياسي، أصبح التفاعل المعقد بين الدبلوماسية والطموحات الانفصالية الفاشلة أكثر إثارة للجدال، مما يجعل فرنسا لاعباً مؤثراً في شؤون المغرب الكبير وشمال إفريقيا.
لقد عزز خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتراف فرنسا بالسيادة المغربية على الصحراء، وهو منهج متجذر من خلال رؤية براجماتية للاستقرار الإقليمي. ومن خلال تأكيده على دعم خطة الحكم الذاتي المغربية، لم يؤكد ماكرون موقف فرنسا فحسب، بل عزز أيضًا رسالة مؤيدة للاستقرار تتوافق مع رؤية الحكومة المغربية للصحراء. إن موقف فرنسا بشأن هذه القضية، المدعوم بمكانتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يحمل ثقلًا وحجما كبيرًين . وقد أكد ماكرون أن دعم سيادة المغرب يمثل حلاً للمعضلات الاستعمارية البائدة مع السعي إلى تحقيق الاستقرار الراهن في شمال إفريقيا.
إن التأييد الفرنسي للسيادة المغربية يعاكس بشكل مباشر أطماع الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو. وتعزز تصريحات ماكرون خطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل العملي الوحيد للنزاع، وهو الموقف الذي تتقاسمه جهات دولية أخرى كألمانيا وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2020. ومن خلال تقديم هذا التأييد من على منصة البرلمان المغربي، يرسل ماكرون رسالة تضامن ودعم صريحة، والتي يمكن ترجمتها أيضًا إلى توبيخ للجزائر وجبهة البوليساريو.
وعقب التصريح سارعت جبهة البوليساريو وحشودها في مخيمات تندوف الخاضعة للإدارة الجزائرية، إلى إصدار بيان يدين خطاب ماكرون. ووصفت المجموعة الانفصالية موقف فرنسا بأنه انتهاك لما وصفته بـ"حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال". وندد بيانها بتصرفات فرنسا باعتبارها "هجومًا على ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والتشريعات الأوروبية"، مؤكدة أن الموقف الفرنسي قد تجاهل العلاقات التاريخية بين فرنسا وأفريقيا.
وفي محاولة للحفاظ على طرحها المغلوط، تعهدت جبهة البوليساريو "بمواصلة المقاومة" ولم تتردد في التلميح إلى الكفاح المسلح، ووصفته بأنه "وسيلة مشروعة" لتحقيق ما تدعي أنها السيادة المشروعة على الصحراء المحررة من طرف المغرب منذ نصف قرن بفضل المسيرة الخضراء المظفرة. ويسلط هذا الرد الضوء على الإحباط المتزايد لكل من الجزائر وجبهة بوليساريو، والذي يتفاقم بسبب التراجع المهول في مستوى الدعم الدولي.
إن الإشارة إلى الكفاح المسلح المحتمل هو رد ببغائي كثيرا ما استخدمته الجماعة بشكل متكرر، مما يشير إلى محاولة يائسة لإبقاء قضيتها المزعومة على قيد الحياة وممارسة الضغط على المجتمع الدولي. ومع ذلك، غالبًا ما فشل هذا الخطاب في حشد الدعم السياسي العالمي ويعتبره المحللون إلى حد كبير وسيلة لتضخيم الإحباطات الدبلوماسية وليس تهديدًا خطيرًا.
ومن خلال الانحياز إلى مقترح المغرب في حل هذا النزاع المفتعل، تدافع فرنسا ضمناً عن الاستقرار الإقليمي. ويمثل خطاب ماكرون لحظة محورية، فهو لا يقدم تأييدًا ثنائيًا فحسب، بل إنه أيضًا عبر عن دليل على الرؤية الاستراتيجية لفرنسا لشمال إفريقيا ككل. وتروج هذه الرؤية لخطة الحكم الذاتي المغربية، التي اعترفت بها الأمم المتحدة ودعمتها العديد من الدول الأوروبية والأفريقية، كمنهج واقعي لحل قضية الصحراء. ويؤكد تأييد ماكرون أن الحل السلمي يتماشى مع الهدف الأوسع المتمثل في مكافحة التطرف وتعزيز التنمية في منطقة معرضة لعدم الاستقرار. إن اختيار المغرب كحليف دائم له آثار كبيرة، خاصة وأن فرنسا تجد نفسها في مواجهة ديناميكيات معقدة في إفريقيا حيث يواجه نفوذها القديم والمتجدد منافسة وانتقادات متزايدة.
وعلاوة على ذلك، يرمز دعم ماكرون الصريح إلى رغبة فرنسا في إعادة مقاربتها لعلاقاتها في شمال أفريقيا من خلال تعزيز التوافق مع القيادة المغربية التي تركز على الاستقرار. ويمكن أن يكون هذا التفضيل بمثابة نموذج لموازنة الإرث الاستعماري التاريخي مع منهج دبلوماسي بناء ومستشرف للمستقبل. ومن خلال تقديم الدعم لإدارة المغرب لصحرائه، لا تؤكد فرنسا تحالفها السياسي مع الرباط فحسب، بل تسعى أيضًا إلى تعزيز فكرة الاستقرار على التفتت في المنطقة.
إن خطاب ماكرون يعكس من دون شك تفاهما مشتركا مع المغرب حول الحاجة إلى استبدال الجراح التاريخية بسياسات إقليمية استباقية وتنموية. ويستند هذا الموقف الموحد إلى علاقة تمتد إلى عقود، وترتكز على الروابط الثقافية والاقتصادية والسياسية. وتؤكد رسالة فرنسا على أهمية المغرب كرائد وقائد إقليمي قادر على دفع عجلة التنمية والاستقرار في شمال أفريقيا. وبالنسبة للمغرب، فإن هذا الدعم بمثابة تصديق على جهوده التنموية في الصحراء، وخاصة في الاستثمارات الاجتماعية والاقتصادية، والتنمية الحضرية، والبنية التحتية لدمج مناطق الصحراء مع بقية المناطق في الشمال.
وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن دعوة جبهة البوليساريو إلى أسطوانتها المشروخة للمقاومة، بما في ذلك احتمالات الكفاح المسلح، أصبحت منفصلة بشكل متزايد عن المنهج الدبلوماسي الدولي المعاصر. ويوضح فشل الجزائر وجبهة البوليساريو في اكتساب قوة دفع ذات مغزى في الأمم المتحدة أو بين القوى الكبرى تراجع جاذبية أجندتها الانفصالية، في ظل عالم يفضل إلى حد كبير الاستقرار والتعاون الاقتصادي. ويزعم المحللون أن تمسك الجزائر وجبهة البوليساريو بالخطاب الانفصالي يسلط الضوء فقط على جمود منهجهما الفاشل، الذي يتعارض مع رؤية المغرب للتكامل الإقليمي والحكم الذاتي.
وإذا كان خطاب جبهة البوليساريو ما يزال كعادته منذ خمسة عقود مشحونا بالتوترات، يبدو أن المد الدولي يتحول لصالح منهج المغرب، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن والتنمية في الصحراء. وقد يشكل خطاب ماكرون منعطفا ولحظة حاسمة، حيث تتبنى المزيد من الجهات الفاعلة العالمية سيادة المغرب كحجر أساس لشمال أفريقيا المستقر والمزدهر.