موريتانيا التي نريد.. حتى يكون هناك أمل

محمد الأمين العادل

مقدمة

لا شيء في موريتانيا اليوم يشبه الحياة مع الأسف إلا ما رحم الله تعاني موريتانيا والمجتمع الموريتاني اليوم من فوضى غير خلاقة، فوضى مدمرة، قنابل اجتماعية تنفجر من حين لآخر، موت للقيم وغياب للمعنى، السياسة الجادة مطحونة بين الفساد والتطرف والدين الحنيف محاصر بين التشدد المدمر والتساهل القاتل، والنخبة الجادة مخنوقة بين المراهقين الصغار والمراهقين الكبار. موجات من البذخ والفساد والتملق والانحلال الأخلاقي وسيول من الاجرام والتطرف والقطيعة والعزوف والهجرة والانعزال. مجتمع غير منتج اتكالي ومستهلك وبلد عاجز عن التقدم والنمو واقتصاد في الحضيض، شباب عاطل عن العمل ونساء عانسات أسر تتفكك وأخرى عاجزة عن التكون. غلاء في المعيشة وتقزيم في الرواتب وموظفون في أوضاع غير مستقرة أمن غذائي يعاني وأمن قومي على المحك، مجتمع متماسك بخيوط العنكبوت ووحدة وطنية مثبتة ببصاق الكهول. إن موريتانيا اليوم على مفترق طرق مفصلي ومصيري، وإن الشعب الموريتاني اليوم في مرحلة حرجة وإن المجتمع الموريتاني أطلق إشارات متكررة، إن البلد اليوم في حاجة إلى الانبعاث وإن الدولة الموريتانية اليوم في حاجة إلى الميلاد من جديد، إننا نحتاج اليوم إلى إنقاذ البلد من الوضع الكارثي المتجاهل والقاهر، وإلى إعادة الأمل فكيف لنا ذلك؟

 

أولا: إعادة الهيكلة

1. المؤسسة العسكرية والأمنية

تبدأ إعادة الهيكلة بإزاحة المؤسسة العسكرية والأمنية عن السياسة ليس لأنهما فشلتا في إدارة الدولة وتنميتها فقط، ففي الواقع ساهمت حقبة حكمهما في بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية وفي مواجهة التحديات الإقليمية والخطر الخارجي والإرهاب وفي تأسيس الأمن الداخلي، لكن لأنهما أيضا لم تعودا قادرتين على تحمل مسؤولية الفشل التنموي الكبير ولأن نظام الجيش الواحد الذي استبدل نظام الحزب الواحد لم يعد قادرا على المواصلة ولم يعد ممكنا في هذا العصر وفي هذه الظروف، كما أن موريتانيا اليوم في حاجة إلى بناء الصناعات العسكرية والمنظومات الدفاعية ومراكز التدريب والدراسات العسكرية والأمنية وفي حاجة إلى تغطية حدودها الكاملة الجيش الوطني والقوات الجوية والبرية والبحرية واستحداث قطاع الخدمة العسكرية والتجنيد الإجباري وقوات الاحتياط وتغطية معابرها وموانئها ومطاراتها بالجمارك وولاياتها بالدرك ومدنها بالشرطة ومؤسساتها بالحرس وبحاجة إلى تطوير أمنها السيبراني وتعزيز أمننا القومي والداخلي والخارجي وبناء دولة عميقة إسلامية من خدم الأمة في خدمة الأمن التنمية والبناء.

 

2. المؤسسة المدنية والقضائية

يعتبر تمكين المؤسسة المدنية وهيمنة القانون على الدولة ضرورة بالغة الأهمية وحجر الزاوية في إعادة هيكلة الدولة وأساسي في بناء دولة العدالة والقانون والمساوات وحقوق الإنسان والحريات كما يجب إعادة هيكلة المؤسسة المدنية والقضائية وإعادة هيكلة الدستور والتشريعات والقوانين والأحكام وتحديث النظم وبنائها على الدين والعدالة والمصلحة العامة وعلى محاربة الفساد وسوء التسيير واستغلال النفوذ ومحاربة التزوير والرشوة والمحسوبية والزوبونية والتحايل على القانون والإفلات من العدالة كما يجب تعزيز مبدأ فصل السلطات وإصلاح وتحديث الإدارة وتفعيل حضور الدولة الدائم في الولايات وتفعيل عمل الإدارات الإقليمية وإعادة هيكلتها بما يعزز حضور الدولة ولا مركزيتها وتفعيل عمل المنتخبين كما تجب مراجعة قانون الرموز وإدراج العلماء ورموز الأمة في نصوصه وتفعيل آليات الدولة الرقابية وآليات التحقيق ومفتشات الدولة وبناء دولة يسودها القانون تتجسد عدالتها في قوانينها العادلة أولا وقضائها العادل وسلطاتها العادلة وعدالتها المطبقة و وشعبها المحترم للسلطات وللقوانين والتشريعات والنظم من الدستور إلى قانون المرور.

 

3. المؤسسة الدينية والإرشادية

لقد صار لازما اليوم إعادة هيكلة وتحديث المؤسسة الدينية والإرشادية ونفض الغبار عن المنهج الإسلامي القيم والصراط المستقيم النير المبين والرجوع إلى النهج المنشرح غير الضيق الحرج العاض بالنواجذ على الكتاب والسنة والقابض على وحدة الأمة غير منزوع الإبر وغير المتساهل مع الحدود وغير المتطرف والمتشدد غير المغضوب عليهم ولا الضالين منهج الحق على الأقوياء والعدل على الضعفاء اللين في غير ضعف والشديد في غير عنف أشداء على الكفار رحماء بينهم المنهج المحب للحياة العاشق للحياة الكريمة المحب لاستخلاف الله له في الأرض وتمكين له دينه المحب لمن الله عليه تأميمه وتورثيه الأرض المنهج غير المترهب وغير الناسي لنصيبه من الدنيا ويمشون في الأسوق غير الغارق في الدنيا وغير الواهن وغير للكاره للجهاد والشهادة والموت في سبيل الله المنهج المنصور منهج الحق الظاهر الذي لا يضره من خذله كما يجب علينا تحديث مؤسساتنا الدينية وتطويرها وتحديث مؤسساتنا التعليمية الإسلامية وتطويرها والاستعانة على كل ذلك بعلمائنا الأجلاء وعلماء الأمة وفقهائنا وأئمتنا ودعاتنا كما يجب تحديث وإعادة هيكلة الخطاب الديني بحيث يكون منطلقا دائما من الكتاب والسنة المراعي الواقع والعصر والعالم الجديد والثقافات المختلفة والعلوم الحديثة الخطاب المتمسك بالحق والهدى المبتعد عن الباطل والهوى المخاطب للناس بما يفهمون الخطاب المعلم والمذكر والمفقه والمبين والموعي والمرشد الخطاب الواعظ الشافي المنطلق من وعد الله ووعيده والخطاب النبوي المتكامل خطاب البشير النذير فصل الخطاب الذي يراعي تفاوت الناس والذي يأخذ منه كل حسب مستواه.

 

4. القوى السياسية والحزبية

يجب علينا إعادة هيكلة سياستنا بشكل يجعلها في خدمة الدولة دائما وفي خدمة التنمية وبشكل يجعل الدولة دائما هي الرابحة والمنتصرة وبحيث تكون هناك ثلاث كتل سياسية كبرى وثلاث أحزاب كبرى تتنافس على خدمة الدولة وتنميتها وبنائها وعلى المصلحة العامة دائما بعيدا عن المصالح الضيقة والأطماع النفعية الجمهوريون والوسطيون والديموقراطيون ثلاثية الجمهورية الإسلامية الموريتانية وثلاثية الشرف والإخاء والعدالة تسعى الأولى إلى القيم الجمهورية وعظمة الدولة وهيبتها وقيمها الجامعة ووحدتها وهويتها وتسعى الثانية إلى إسلامية الدولة وهويتها الدينية وقيم دينها الحنيف وارتباط الدولة بأمتها الإسلامية وتسعى الأخيرة إلى العدالة والمساوات والقانون وحقوق الإنسان بحيث تستفيد الدولة دائما عند صعود أي مجموعة إلى الحكم والبرلمان والمجالس الجهوية والبلدية. كما يجب حل المشاكل المجتمعية العالقة من الماضي والظلم التاريخي والإرث الإنساني ومخلفات العبودية والرق والقضاء على القبلية والجهوية والشرائحية ومنع ترخيص أي حزب ومجموعة ذات طابع عنصري أو ثأري.

 

5. الطبقات الاجتماعية والاقتصادية

كان من المفترض أن نكون كأي نظام رأسمالي أو إسلامي شبه رأسمالي لدينا طبقات برجوازية ومتوسطة وعاملة لكنها سنين جفاف أفسدتنا وعقود فساد جففتنا وأصبحنا اليوم طبقة قليلة غنية تكاد تنفجر وطبقة قليلة عاملة وطبقة عريضة تحتضر واختفت الطبقة المتوسطة التي كان من المفترض الاستثمار فيها وتوسيعها وتقليص الفوارق الشاسعة نتيجة الأوضاع والظروف المعيشية الصعبة وتدني الأجور وانتشار البطالة والفقر الشديد وغياب السياسات التنموية وتدني القطاعات الإنتاجية وضعف الاقتصاد والارتفاع الجنوني للأسعار وتدني قيمة الرواتب والعملة. إننا اليوم بحاجة إلى إعادة وبناء الطبقة المتوسطة والاستثمار فيها وتوسيعها من خلال زيادة الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور وتسوية وتحسين ظروف الموظفين وتوفير حقوقهم في العلاوات وفي الضمان والتأمين الصحي وفي النقل والسكن وتسوية مشاكل العقدويين وموظفي الدعم والمتعاونين وترسيمهم وحل مشاكل المتقاعدين والمحالين إلى المعاش وتوفير حقوقهم وإصلاح سياسة الاكتتاب ورفع حاجز الاكتتاب السنوي كما يجب فرض الضرائب على رؤوس الأموال بالنسبة للطبقة الغنية ومراقبة ومكافحة غسيل وتبيض الأموال وتفعيل الزكاة الإسلامية ودعم الطبقة الهشة من خلال المفوضيات والمندوبيات الاجتماعية والدعم الحكومي على السلع الأساسية.

 

6. القطاعات الوزارية والحكومية

إن ضعف الأداء الحكومي الدائم وضعف ديناميكية البلد ناتجة عن مشاكل هيكلية وغياب للتخطيط وعدم وجود استراتيجية حكومية وحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة القطاعات الوزارية من خلال دمج قطاعات وفصل أخرى وإلغاء قطاعات واستحداث قطاعات جديدة وزارات سيادية وإدارية وخدمية وإنتاجية وهذه الأخيرة هي الغائبة تماما والمفقودة وهي التي يجب التركيز عليها والاستثمار فيها إنها تلزمنا اليوم للقضاء على البطالة وتحسين الأوضاع المعيشية وتنمية الإنتاج وتحريك الديناميكية وتطوير الاقتصاد أن نشئ وزارات للصناعة والإنتاج والتجارة والسياحة وزارات موجهة لاستخراج وتنمية ثرواتنا الأرضية والمعدنية من معادن ومياه وغاز وبترول وثرواتنا الحيوانية من أسماك وأغنام وأبقار وإبل ودواجن ومشتقاتها وثروتنا الزراعية من سهول وحقول وأراضي شاسعة وواحات وضفاف ومياه وخضروات وحبوب وبقول وفواكه وثروتنا المعرفية من تاريخ وأدب وشعر وفكر وفن وحضارة وثقافة وإنتاجها وتصنيعها وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها وتصديرها إننا بحاجة إلى وزارات صناعية وإنتاجية ترعى مصانع كبرى ومؤسسات وشركات كبرى ودور للنشر ومطابع ودخول الاقتصاد الحديث التكنلوجي والمعلوماتي وتوجيه القروض الكبرى والميزانيات إلى القطاعات الإنتاجية بدل توجيهها إلى القطاعات الأخرى والغرق في الديون والعجز.

 

ثانيا: تدارك المجتمع

1. فئة الكبار

تعاني هذه الفئة التي تؤثر بشكل كبير في سلوك الفئات التي دونها من مشاكل وظواهر سلبية خطيرة كالقبلية والجهوية والشرائحية والزوبونية والمحسوبية والفساد الإداري وغياب الموضوعية السياسية لكن مشاكلها كلها ترتبط بالفقر ارتباطا شديدا والفساد الإداري والفساد العام فكما يقال كاد الفقر أن يكون كفرا لاسيما في ظل الفساد ومظاهره من بذخ وثراء سريع وطغيان للمادة وفقدان للتوازن المجتمعي وانقلاب في الموازين وغياب للعدالة الاجتماعية لكن إصلاح هذه الفئة يعتبر أساسيا في إصلاح المجتمع وفي إصلاح الفئات الأخرى لأنها باختصار هي المجتمع وهي ثقافتنا وتقاليدنا وقيما وتاريخنا غالبية القدوات يكونون منها ولأن ما هي عليه يأثر بشكل مباشر وغير مباشر في سلوك الشباب والصغار وفي مصيرهم فإن يلزمنا التركيز على هذه الفئة وإصلاحها من خلال محاربة الفساد بجميع أشكاله وبصرامة وإصلاح السياسات العامة للباد ومحاربة جميع أسباب الفساد ومحاربة الفساد بالوفرة والعدالة والقضاء على الفقر.

 

2. فئة الشباب

يقف خلف سلوك الشباب ومشاكله المؤلمة كالعزوف والهجرة والعنوسة ومشاكله الخطيرة كالانحراف والاجرام والتطرف والاكتئاب والانحلال الأخلاقي يقف خلف كل ذلك شبح البطالة وشبح التعطيل وشبح المجهول وغياب الأمل وضعف الهمم وخبو النفوس وغياب الأهداف وضياع الأحلام الناتج عن الفساد الإداري والفساد السياسي وغياب الشفافية وضعف ديناميكية البلد وعدم وجود طريق سالك للمستقبل الزاهر حتى صارت حقوق بسيطة في بلدان أخرى كالعمل والمركب والسكن والزواج أحلاما لشبابنا وهو ما فيه تعطيل كبير لطاقات البلد وضياع كبير لنخبه وخسارة كبيرة للدولة ومستقبلها خصوصا أن هذه الفئة هي غالبية الشعب وغالبية النخبة منها يجب علينا تدارك هذه الفئة قبل فوات الأوان لن تكون الفئوية والتميز الإيجابي المفيدين للأقليات كافيين في مجتمعنا الإسلامي وعاداتنا الخاصة التي يكون الحمل فيها ثقيلا على كاهل الشاب ولن تجدي مأمورية ولا حكومة شباب مالم يكن الهدف إنقاذ كل الشعب وحل جميع مشاكله لأن الشباب اليوم هو الشعب.

 

3. فئة الصغار

يقال أن كل جيل يخشى على الجيل الذي بعده من تدمير الأرض لكن هذه المرة ليس هاجسا فقط فلا يختلف عاقلان على أن ما تسير نحوه الأجيال اليوم ليس محمودا والجميع يدرك ما فيه هذه الفئة الأكثر تأثرا بالفئات الأخرى من ضياع وفساد في الأخلاق وضعف في التحصيل العالمي وغياب التربية حتى صار الجميع يخشى على مستقبل البلد البعيد فهذه الأجيال التي غزتها مواقع التواصل الاجتماعي والعولمة والانترنت ووجدت فيها من القابلية ومن الأعاصير التي تحركها فراشات العالم الآخر ومن غياب اليقظة ما هو كاف لتدميرها يجب التركيز على هذه الفئة التي هي مستقبل البلد من خلال إصلاح التعليم وتغليب دوره التربوي ومراقبة الأوساط المدرسية والمحظرية والأسرية ووسط الأصدقاء ومنع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال ومنهم دون الخامسة عشر وتشجيع العلم والتحصيل والحفظ والترفيه الهادف لهذه الفئة.

 

4. الضبط العام

لقد بات من الضروري إنشاء شرطة أخلاقية وتفعيل عمل الشرطة السيبرانية والشرطة الاستباقية ومراقبة الشبكات مواقع التواصل الاجتماعي ومحاربة الجرائم الأخلاقية ومصانع المجرمين من أوكار للقمار وسحر ومحرمات ومحاربة موبقات الدول ومحاربة المخدرات والخمور والمسكرات ومحاربة العلاقات المحرمة والزواج السري والزنى وأوكار الرذيلة والشذوذ والدياثة ومنكرات الأخلاق والأهواء ومحاربة جرائم القتل والقتل العمد والقتل الغيلة والغدر والحرابة وجرائم الشرف والاغتصاب والتحرش والسرقة والنشل والسلب والاحتيال والتبرج والعري والإباحية والفجور والفحش والألفاظ النابية والمجاهرة بالمنكرات لقد بات من الضروري تطهير المجتمع وضبطه وحمايته من المشاكل التي تطفو على السطح من وقت لآخر ومن المشاكل التي أهلكت المجتمعات الأخرى قبل أن تتفشى فيه وقبل فوات الأوان.

 

5. منابر الإرشاد

هي باختصار المساجد والخطاب الديني والإعلام ورسالته والمؤسسات التربوية والتعليمية والفن بأنواعه ورسائله يجب أن تكون لكل تلك المنابر رسالة موجهة إلى المجتمع تتناول الظواهر والمسلكيات الضارة وأن تكون تلك الرسالة منطلقة من الدين الحنيف من كتاب الله وسنة نبيه ومن العلم الحديث والآفاق الواسعة ومن ثقافتنا الأصيلة وعاداتنا وتقاليدنا الحسنة وبث القيم والأخلاق والعادات الحسنة والوعي والعلم والعمل والمبادئ والسلوك المدني في المجتمع ودل الناس إلى الطريق الصحيح وإنارته أمامها وتشجيعها على سلوكه والترويج للحق وطريقه وحث الناس عليه وترغيبهم في ثوابه وأجره وعقباه كما يجب إصلاح التعليم وتغليب دوره التربوي والتهذيبي وزراعة التربية الإسلامية والأخلاقية والمدنية والوطنية في الناشئة والأطفال.

 

6. العدوى الحسنة

لقد أصبح الباطل اليوم رائجا وانتشرت دعايته وتفشت عدواه وصار من الضروري الترويج للحق والنموذج الحسن وصناعة القدوات وتلميعها وصناعة العدوى المضاضة والمناعة المجتمعية كما أن التأثير لا ينحصر في هذه العملية في القدوات والنخب فقط فكل راع مسؤول عن رعيته وقادر على التأثير فيها ثم إن المدونين ومشاهير والتواصل الاجتماعي وحتى الأشخاص العاديين هم أبطال هذه المعركة وقادرتين على التأثير الإيجابي في محيطهم ومجتمعهم وعدم التفاعل مع سقطاته وعدم التأثر بظواهره السلبية  وعدم الانجرار إلى انحرافاته وعدم الإصابة بأمراضه ويكونون بذلك ساهموا في إصلاح المجتمع من خلال إصلاح أنفسهم لأنهم جزء من المجتمع وإصلاح ما استطاعوا من المجتمع بالعدوى الحسنة.

 

ثالثا: تحرير النخبة

1. النخبة المظلومة

لن تكون نخبة البلاد بالتأكيد من مخرجات أنظمة الفساد ولا ممن يتقدمون صفوفها ولا من حاشيتها إلا ما رحم ربي سيكون القليل منها فقط قد سلك طريقه فيها ووجد موطئ قدم ستكون غالبية النخبة على قارعة الطريق قد تكون في مكان غير بعضها يتذمر من وقت لآخر وبعضها اختار الانعزال بصمت واختار أن يكون في غبراء الناس قد لا تحمل صفة ولا لقب وقد لا تكون لها شهادات ولا وظائف ولا رتب لكنها هي نخبة البلاد ومن المؤسف حقا أنها أحيانا تكون نخبة العالم أجمع ومن المؤسف أنها هي الوحيدة القادرة على بناء الوطن وإصلاحه كأن الوطن يغار عليها وكأن العجاف تنهال على من فرط بها بقدر ما قبعت في سجون الضياع والتهميش. هذه النخبة هي الوحيدة القادرة على إنقاذ البلد فبإنقاذها وإعادة الاعتبار لها والاستثمار فيها وإخراجها من مستنقع الضياع والتهميش وبناء استراتيجيات تستهدفا وتمكنها وتركز عليها فقط يمكننا إنقاذ البلد.

 

2. أشقاء النخبة

إنهم أشخاص عاديون وبسطاء أحيانا ليسوا من النخبة لكنهم تشاركوا معها نفس المصير سجنوا مع النخبة في سجون الضياع والتهميش والإقصاء والظلم والغبن ويتشاركون معها منع النصر إنما تنصرون بضعفائكم فقد كان الفاتحون الأوائل يبدؤون بالضعفاء وبرد المظالم قبل الغزو وحينما كان أحد الخليفتين الراشدين يوزع الحظوظ حسب البلاء كان الآخر يوزعها حسب الحاجة الرجل وبلاءه والرجل وحاجته فالبلاء والحاجة مترابطين ارتباطا وثيقا وأشقاء النخبة مرتبطين بالنخبة ارتباطا متلازم ومصيري وبمصير البلد يجب علينا رد المظالم ورفع الظلم والإبعاد والإقصاء والظلم التاريخي والظلم الاجتماعي والحرمان والغبن والاستهداف عن هذه الفئات وملئ هواتها الأخلاقية وإرضائها والوصول إلى خواطرها وتعويضها وإرضائها.

 

3. النخبة الخام

هناك نخبة خام عريضة في الشعب الموريتاني وقابلية في النخبوية في المجتمع الموريتاني الذي إن عيب بالتفاهة وضعف المهم إلا أنه يمدح بأمور أخرى عديدة من بينها الذكاء الخارق والعبقرية التي إن وظفت في غير الاحتيال وما إليه ووظفت في ما يفيد وينفع تكون نتائجه مثمرة وتكون المنفعة كبيرة إن النخبة الخام هي عبارة عن متعلمين غاب عنهم الوعي وغاب عنهم التكوين ووعاة غابت عنهم التعلم والتدريب ومتعلمين وعاة غابت عنهم القيادة والإرشاد ومن أجل صناعة نخبتا المستقبلية علينا أولا إصلاح نظامنا التعليمي وتعليمنا العالي ورفع فعاليته وجودته وإصلاح نظام التوجيه والتخصص وإصلاح فضائنا الثقافي وبيئتنا الثقافية من خلال دور للثقافة والشباب ودور النشر والمطابع وسائل ثقافة العصر في مدن الكتاب وصقل المواهب وبناء المهارات وتنمية الهوايات وتطور الخبرات وبناء فضاء للكتاب والدورات التدريبية والتكوينات والأنشطة الثقافية والرياضية والفكرية والمسابقات والمباريات والمنافسات وبناء جيل نخبوي جديد وصناعة نخبة جديدة.

 

4. نظام الشفافية

يعتبر مبدأ نظام الشفافية مبدأ ونظاما نخبويا أساسي ولا غنى عنه في بناء الدولة والنخبة من نظام التعليم إلى نظام الانتخاب وإن عدم وجود الشفافية يعتبر من الأغلال الثقيلة التي تعيق النخبة وتمنع تقدمها وتشل حركتها وتعيق البلد وتحرمه من طاقاته ونخبه علينا أن نطبق مبدأ الشفافية في كل مناحي الحياة في الدولة وفي جميع مفاصلها وفي كل مجالاتها بدأ من التعليم والتعليم العالي والمنح والمسابقات والاكتتابات والولوج إلى الوظيفة ومحاربة التطفيف بكل أنواعه وبكل أشكاله وبكل أسبابه ومن واسطة وقرابة وقبلية وجهوية وتوريث للمناصب ورشوة وسوء استخدام النفوذ ثم تطبيق الشفافية في الصفقات العمومية والرخص والأوساق الكبيرة وفي لانتخابات من أبسط عملية انتخاب إلى الانتخابات الرئاسية ومحاربة جميع أشكال الخروقات وجميع أنواع التزوير سنكون بذلك فقط جعلنا طريق النخبة سالكا ووضعنا عنها الأغلال التي عليها.

 

5. نظام الكفاءة

يعتبر مبدأ نظام الكفاءة والميريتوكراسية والأحقية مبدأ نخبويا أساسيا في إنقاذ النخبة وفي البناء النموذجي للدولة وإنقاذها من الوضع الفوضوي المزر مبدأ إنزال الناس منازلهم ومبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب والمنصب المناسب وحتى المرأة المناسبة في المكانة المناسبة مبدأ وسد الأمور إلى أهلها في كل شيء بدءا من التقدم الوظيفي والترقيات إلى التعينات والانتداب حتى التعينات السامية والتكريمات والتوشيحات مبدأ الاحترام والتقدير والأولوية وتقديم أهل العلم والمعرفة والفكر وأصحاب الخبرة والتجربة والعقل وأصحاب العمل والإتقان والإنتاج وأصحاب الجد والأمانة والانضباط والعباقرة والمتميزين والمبدعين سنكون بذلك مكنا نخبنا وجعلنا مفاصل الدولة في الأيدي القادرة على بنائها وتطويرها وإدارتها وفتحنا الطريق أمام الكفاءة فقط وأمام العمل والاعتماد على النفس والبذل والتنافس الإيجابي والشريف فقط.

 

6. نظام الانتخاب

تشتق كلمة الانتخاب التي تجمع على الانتخابات من كلمة النخبة وتعني إفراز نخبة الشعب لتولي إدارة شؤونه وتعتبر الديموقراطية ذات الحكم الرشيد وذات الشعب الواعي قادرة على إبراز نخب الشعب وتوليتها لأمورها والرئيس الذي يجلس بشكل جيد والذي أجلسه الشعب على كرسي الرئاسة والرئيس غير المرهون لحلف قلبي أو جهوي أو دولة أجنبية أو مؤسسة عسكرية أو أمنية أو مشيخة روحية أو لفيف من رجال الأعمال والرئيس الذي أوصله الشعب الواعي في ديموقراطية رشيدة من خلال انتخابات شفافة ونزيهة سكون سيكون نخبة الشعب وأكفأه وأجدره وسيكون مرهونا للوطن فقط وللشعب والأجيال وسيعرف جيدا من يجلس بجواره وكيف يختار حاشيته طاقمه وفريقه وكيف يختار وزراءه وسيعرف بكل تأكيد ماذا يحتاج والوطن وماذا يحتاج الشعب وماذا تحتاج الأجيال وكذلك جميع المنتخبين الذين لم يصلوا زيارة على ذلك من خلال رئيس أو نظام أو حكومة وأوصلهم الشعب إلى مناصبهم وأوصلتهم أصواته إلى البرلمان والمجالس البلدية والجهوية سيوصلون أصواته ويرفعون مطالبه ويرعون مصالحه.

 

خاتمة

عندما نعيد هيكلتنا ونبني مجتمعنا وشعبنا ونحرر نخبنا ونمكنها لن ت تبقى أماما عوائق في المسير ولن تسحبنا المشاكل البنيوية عند كل فرصة تقدم ولن تربكنا قنابل المجتمع وانفجاراته ولن تسحبنا إلى الأسفل ولن نجد مشاكل من الماضي تشدنا إلى الخلف ولن نجد عجزا بشريا في نخبنا وكفاءاتنا سنكون قادرين على بناء بنية تحتية قوية وإطلاق مشاريع تنموية واقتصادية كبرى ونحقق أمننا الغذائي واكتفائنا الذاتي ونعزز إنتاجنا وصناعاتنا وتبادلاتنا التجارية الكبرى سيكون تعليمنا ومدرستنا جمهورية لأننا جمهورية مدرسة سنكون موريتانيا جامعة القيم وموريتانيا القيم الجامعة سنعزز أمننا ودفاعنا وأمننا القومي ووحدتنا الوطنية سنقود منطقتنا وسنكون قادرين على التدخل والدعم غير الخجول لأخوتنا وأشقائنا وجيراننا وأصدقائنا لن نكون دائما الحريصين على تعزيز العلاقات لأن العالم سيكون حريصا هو الآخر ولن نشقى في تلميع أنفسنا في الخارج لأننا نلمع من الداخل سيكفي لنا أن نري العالم من نحن سنكون جمهورية شنقيط وجمهورية المرابطين سنكون مصرا من أمصار الأمة الإسلامية وراية من راياتها العالية وثغرا من ثغورها الأبية وسنكون عن حق الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

 

30 October 2024