موريتانيا بين ضرورة العقاب النسبي وخطورة التصعيد/ عبد الفتاح ولد اعبيدن
إن حرية التعبير و الصحافة ينبغى أن لا تعني التفلت من الاعتدال و المسؤولية الأخلاقية،كما أن الدول التى تدعى الديمقراطية جدير بها سعة الصدر و استيعاب ما يقع أحيانا من تجاوزات،و مهما تكن أهمية القمع و العقاب لمحاولة كبح جماح التطرف،إلا أن ثمة مستويات متنوعة للتعامل مع الشطط و الاختلال فى الخطاب العام أو الخطاب الإعلامي بوجه أخص،منها الطرق الناعمة المتنوعة،التى يلزم تفعيلها قبل تفعيل طرق العقاب.
إن وجود القوانين العقابية ضروري،لكن التفعيل المتصاعد قد يخلق حالة من التوجس و الترقب و حبس الأنفاس،و هو ما قد يخدم توجهات بعض الأنظمة ذات الطابع شبه الشمولي،و مع الوقت قد يشل من انسيابية بعض الآراء و الممارسات النقدية،التى تحتسب ضرورية فى التجارب الديمقراطية،و لا شك أنه فى أجواء الحياة الديمقراطية لابد من وجود أصوات متطرفة،حيث أنه لكل قاعدة شذوذ.
و فى الأسابيع الماضية بدأنا نعيش تجاذبات مصدرها ساحة التواصل الاجتماعي،و باختصار قد يكون من الحكمة الابتعاد عن التطرف فى الخطاب،و لكن عقاب كل متجاوز قد يرفع وتيرة التصعيد ضد المخالفين،و ربما يحد كثيرا من منسوب الحريات المشرعة دستوريا.
و من الطرق المستحدثة فى العقاب ازدواجية الإيداع و الإعفاء الوظيفي،و هو أسلوب صعب و يجمع على المخالف طرق التضييق،و رغم المسارعة لسجن البعض لأبسط حالات السرقة،فإن آخرين تتابعهم المؤسسات القضائية الرقابية و تثبت ضدهم أخطاء فادحة فى سوء التسيير أو الاختلاس المتعمد،و مع ذلك تكتفى الدولة بإلزامهم بالتسديد المتفاوت ثم تعيد تعيينهم.
و على وجه العموم تبقى الدولة بحاجة ماسة لرعاية طرق التعامل المتعقل المتوازن،من أجل عدم المبالغة فى العقاب ضد البعض و عدم حماية كبار المخالفين ،فى سياق مضطرد قد يفاوت طرق التعامل.
و بإيجاز ليس من السهل استساغة التطرف فى الخطاب إلا فى حدود الرد على الأذى،و ليس من المفيد ترصد كل مخالف فى هذا الباب ،مع التسامح مع آخرين فى مجال تسيير الشأن العام و المال العمومي بوجه خاص.
إن الوضع الراهن لم يصل بعد لمرحلة التفلت و التفكك،و لكن المسارعة لحرمان البعض من قوته و راتبه،بسبب الآراء و التغاضى عن الاستيلاء على المليارات و مختلف الوظائف الدسمة،مع الوقت قد يعمق حالة الانزعاج و عدم الثقة،و هو ما قد يصب فى المجهول و الصراعات السلبية .
صاحب الفخامة التطرف فى العقاب إما أن يكون ضد الجميع بالتساوى و أما استسهال البعض و منح آخرين الحماية و الضوء الأخضر للتمتع بحرياتهم مع ما يستولون عليه من أموال عمومية فهذا قد يفضى مع الوقت لما لا تحمد عقباه،و حكمتكم تستدعى التدخل الإيجابي السريع لرد حق مهدور إثر إقالات تعسفية بسبب بعض الآراء.
شخصيا أرى ضرورة دعم هذا النظام،رغم بعض المآخذ ،تفاديا لنماذج أخرى من الحكم البديل،لكن صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى،جدير به عدم التصعيد و جدير به عدم محاربة الناس فى أقواتهم،رغم ما يحظى به البعض من استئثار و عناية مكثفة،فالناس سواسية،و لا حق لأحد على أحد فى طرق المعاملة المعنوية أو المادية،و مثل تلك الصيغ التفضيلية المختلة قد تستدعى المزيد من هجرة الوطن و التنافر و التوترات،و نحن فى غنى عن كل ذلك.
و أدعو مجددا رئيسنا لتكريس المزيد من العدل و الإنصاف بين رعيته و هو جدير بذلك ،و يدرك بعمق أهمية ذلك لنشر روح الاطمئنان و التعاضد و التعايش الإيجابي.
و بالنسبة لي شخصيا التعامل المتعقل الهادئ مع المخالفين فى مجال التسيير قد لا يكون فى تصوري شخصيا سلبيا لو صاحبه نفس النمط من التسامح مع أصحاب الآراء،فالتسامح لا ينبغى أن يكون حكرا على فريق دون آخر.
و لا خير فى تعطيل العقاب مطلقا و لا المبالغة فيه،كما أن التسامح،إن حصل،من حق الجميع دون تمييز.