قيس سعيد .. ولاية ثانية بأكثر من 90 بالمئة من الأصوات
دون حاجة لجولة ثانية مثلما حدث عام 2019، فاز الرئيس الرئيس التونسي قيس سعيد (66 عاما) بعهدة رئاسية ثانية لمدة 5 أعوام في انتخابات 6 أكتوبر/ تشرين 2024، محققا نسبة 90.69 في الانتخابات التي جرت الأحد بنسبة مشاركة 28.8 بالمئة.
والاثنين، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس فاروق بوعسكر في مؤتمر صحفي لإعلان النتائج الأولية الرسمية، إن المترشح قيس سعيد حصل على مليونين و389 ألفا و954 صوتا من أصل مليونين و808 آلاف و545 ناخبا بما يعطيه نسبة 90.69 من الأصوات.
وبجانب سعيد، حصل المرشح العياشي زمال على 7.35 بالمئة، وزهير المغزاوي على 1.97 بالمئة، وفق هيئة الانتخابات التي أشارت إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات 2024، هي الأدنى في انتخابات الرئاسة في تونس منذ ثورة 2011.
وفي أكتوبر 2019، حسم سعيد الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بحصوله على 72.71 بالمئة من الأصوات أمام رجل الأعمال والإعلام نبيل القروي الذي تحصل حينها على 27.29 بالمئة من الأصوات.
* مسارات الحياة
ولد سعيد في 22 فبراير/ شباط 1958 بتونس، وحصل على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.
وهو حاصل أيضًا على دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني في "سان ريمو" الإيطالية.
بدأ حياته المهنية في 1986، مدرسًا بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بمدينة سوسة (شرق)، قبل أن ينتقل في 1999 للتدريس بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس العاصمة.
تقلد بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية من أجل الإعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
كما عمل سعيد، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، خبيرًا متعاونًا مع المعهد العربي لحقوق الإنسان من 1993 إلى 1995.
حصل في 1997 على عضوية المجلس العلمي وعضوية مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، وهو أيضًا رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية (مستقل).
- أهداف البناء
قبل توليه الرئاسة عام 2019 قال سعيد في تصريحات للصحافة التونسية: "أنا لا أبيع الوهم للشعب التونسي، وبرنامجي الذي أعلنته واضح، وهو أن الشعب هو مصدر السلطات، والدستور يجب أن يكون قاعديًا، ولا توجد ما تسمى دولة مدنية ولا دينية".
وقال وقتها إنه ترشح "مدفوعًا بإكراهات واقع يرى أنه لم يرق إلى تطلعات شعب ثار على نظام مستبد".
وخلال ترشحه الأول، كان يقول إن السلطة "ستكون بيد الشعب الذي يقرر مصيره ويسطر خياراته"، وهو ما أطلق عليه وقتها عبارة "الانتقال الثوري الجديد"، وهو أساس شعار حملته الانتخابية التي كانت تحت عنوان: "الشعب يريد".
هذه المرة خاض أنصار سعيد حملته الانتخابية بزعامة شقيقه المحامي نوفل سعيد تحت شعار: "الشعب يريد البناء والتشييد".
حكومتان في عامين
ظل سعيد يراقب الوضع السياسي في بلده وصراع الأحزاب في مجلس نواب كان تحت رئاسة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، فعيّن بعد استلامه السلطة عام 2019 رئيسين للحكومة إلياس الفخفاخ من فبراير 2020 إلى سبتمبر/ أيلول 2020 وهشام المشيشي من سبتمبر 2020 إلى 25 يوليو/ تموز 2021.
ومع آخر أيام حكومة المشيشي، اتخذ سعيد إجراءات 25 يوليو 2021 الاستثنائية بالتزامن مع احتفال تونس بعيدها الوطني، وكانت مدن تونسية تشهد في النهار اشتباكات بين محتجين وقوات الأمن خلال مظاهرات طالبت بتنحي الحكومة وحل البرلمان، في ظل تفشٍ سريع لفيروس كورونا ذلك الوقت وتدهور الوضع الاقتصادي.
وفي المساء، كان سعيد يعلن "تجميد اختصاصات" البرلمان لمدة 30 يوما، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
حل البرلمان
في 5 فبراير 2022 أعلن سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء، وفي 13 من الشهر ذاته، وقع مرسوما باستحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء"، ومنح نفسه صلاحية "طلب إعفاء كل قاضٍ يخل بواجباته المهنية"، ومنع القضاة من الإضراب عن العمل.
وبعد جلسة أقر فيها البرلمان في 30 مارس/ آذار 2022 عبر تصويت، خلال جلسة عامة افتراضية، قانونا يلغي كل إجراءات سعيد الاستثنائية بعد نحو ثمانية أشهر من بدئها، أعلن سعيد بعدها حل البرلمان في ذات اليوم.
- دستور جديد
لم تتوقف إجراءات سعيد الاستثنائية، ففي 30 يونيو/ حزيران 2022 ، نشر في الجريدة الرسمية، مشروع الدستور الجديد ويتكون من 142 مادة، رغم معارضة خبراء وأحزاب، وعرضه على الاستفتاء في 25 يوليو من ذات السنة، ونال ثقة المصوتين بنسبة 94.60 بالمئة.
وشارك في عملية التصويت مليونان و458 ألفا و985 ناخبا داخل تونس بنسبة مشاركة بلغت 27.54 بالمئة من الناخبين المسجلين.
ورفضت عدة قوى سياسية تونسية نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد، على غرار "جبهة الخلاص الوطني"، و"حركة النهضة"، "والحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء (ائتلاف لخمسة أحزاب يسارية)"، على اعتبار أن "75 بالمائة من الشعب لم يشاركوا في الاستفتاء عليه".
- برلمان جديد
في 13 مارس 2023 انعقدت الجلسة الأولى لبرلمان جديد (161 مقعدا) تكوّن وفق انتخابات تشريعية جرت على دورين في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022 وفي 29 يناير/ كانون الثاني 2023، وتم انتخاب إبراهيم بودربالة، عميد المحامين الأسبق، رئيسا للبرلمان الجديد.
وفي 8 مارس 2023 حُلت جميع المجالس البلدية (350 مجلسا) وتم "تكليف الكتّاب العامّين (موظفي بلدية) بها بتسييرها تحت إشراف الولاة".
وهو قرار اعتبره البعض أنه يتماهى مع مشروع سعيد المتمثل في "البناء القاعدي" وهو مشروع طالما دعا إليه حتى قبل توليه منصب الرئاسة.
ويقوم البناء القاعدي وفق سعيد، على إعادة البناء من المحلي (الجهات) نحو المركز، حتى تكون القوانين والتشريعات كلها على اختلاف أصنافها ودرجاتها معبّرة عن إرادة الشعب في مختلف المناطق والجهات الداخلية وصولاً إلى المركز (المدن الكبرى والعاصمة).
- معارضة سياسية
طيلة فترة الرئاسة الأولى، شابت التوترات علاقة سعيد بمجموعات المعارضة السياسة، وتصاعدت أكثر منذ 11 فبراير 2023، حيث أوقفت السلطات التونسية عددا من رموز المعارضة بتهم "التآمر على أمن الدولة" وهو الأمر الذي تنفيه "جبهة الخلاص الوطني" أكبر تشكيلات المعارضة في تونس.
وشملت قائمة الموقوفين منذ ذلك الوقت، غازي الشواشي (وزير سابق وأمين عام سابق للتيار الديمقراطي) وعصام الشابي أمين عام الحزب الجمهوري، وعبد الحميد الجلاصي القيادي السابق في حركة النهضة، وجوهر بن مبارك أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية.
وفي 17 أبريل/ نيسان 2023 أوقفت السلطات التونسية رئيس حركة النهضة، الرئيس السابق للبرلمان راشد الغنوشي، بينما أفادت إذاعة موزاييك (خاصة)، بأن قرار إيقاف الغنوشي "جاء للتحقيق معه على خلفية تسريب مقطع فيديو لمحادثة جمعته بقيادات من جبهة الخلاص الوطني"، اعتبر فيها أن "إبعاد الإسلام السياسي في تونس مشروع لحرب أهلية".
- قضايا منتظرة
في فترته الرئاسية الجديدة، يواجه الرئيس قيس سعيد ملفات الأزمة الاقتصادية التي زادت من حدتها تغيرات المناخ والتوترات الإقليمية والدولية، وتفاقم مشاكل الهجرات غير المنظمة التي ترنو إلى الوصول للأراضي الأوروبية عبر سواحل تونس.
واقتصاديا، تنتظر سعيد تحديات تمويل المشاريع الكبرى التي أعلنها في الآونة الأخيرة، مثل المدينة الطبية بالقيروان (وسط) والقطار السريع العابر للبلاد من الشمال إلى الجنوب وجسر بنزرت ( شمال).
وسياسيا، فقد الرئيس كثيرا ممن وافقوه على إجراءاته الاستثنائية في يوليو 2021 مثل أحزاب "التيار الديمقراطي" وآفاق تونس" و"الحزب الدستوري الحر"، بينما تتوسع المعارضة رغم التأييد الشعبي الذي توحي به نتائج رئاسيات 6 أكتوبر الأخيرة.
ومنذ الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021، تعتبر قوى سياسية تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس بن علي (1987ـ 2011).