يوم صعب علمنى المزيد من الرضا بقضاء الله… 28/8/2024/ عبد الفتاح ولد اعبيدن
فى هذا اليوم أودعت السجن و أعفيت من الوظيفة،و ذلك فى مجلس الوزراء المنعقد فى نفس هذا اليوم،و بطبيعتي لا أقبل التردد فى الرضا التام بقضاء الله و قدره،فما فعل الجليل فهو الجميل،و كنت أذكر السجناء بحديث رسول الله،صلى الله عليه وسلم:"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير،و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن.إن أصابته سراء شكر كان خيرا له،و إن أصابته ضراء صبر كان خيرا له".
ليس من السهل أن يتلقى الانسان مثل هذا الحدث المزدوج،لله الحمد و المنة،و لكن الصبر يبتلع الصعاب،بكل مذاقاتها و ألوانها.
و قد تكون الصحافة مع الامتيازات و سعة صدر الجميع غير مكلفة كثيرا،رغم قلة مردوديتها المادية،فهي كما يلقبها العارفون بها،مهنة المتاعب،و اما حين تستدعى ظرفية ما توجيه الحراب لأحد عمداء هذه المهنة،فهذا قد يخلى الميدان،و لو مؤقتا من الطفيليين،فهذه المهنة قد تتطلب فى بعض منعطفاتها المزيد من الصبر و الجرأة،مما قد يجعل الميدان خاليا تماما من الجبناء.
و طيلة فترة ممارستي لهذه المهنة الصعبة،و خصوصا فى الوطن العربي شعرت و لمست حجم المخاطر فى هذا الميدان،و رغم مستوى تجذر المهنة الصحفية فى موريتانيا،منذ مطلع التسعينات إلى اليوم،إلا أنه مع استحداث قانون حماية الرموز أصبح أداء هذه المهنة يتطلب المزيد من الحذر و يتطلب ذلك من جميع الجهات الرسمية و الشعبية توسيع الصدر لممتهني هذه المهنة،لحين استحداث و تطوير الترسانة القانونية،عسى أن تتم إزالة العوائق فى وجه صاحبة الجلالة.
و إذا كنا سنحرص على التمسك بعروة مهنتنا ،إلا أن الواقع يتطلب الحذر ،دون التفريط فى هوامش الحرية المتاحة،و ذلك من أجل هدفين رئيسيين إثنين،أولا من أجل عدم تراجع حرية الصحافة فى بلدنا،و من وجه ثان ،من أجل عدم دخول زملاء جدد لدائرة العقاب،فالسجن عقاب صعب،خصوصا ضد العمداء،ممن تقدم بهم السن و حلت بساحتهم بعض الأمراض المزمنة.
و من هذا المنبر أطالب صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى بالتراجع عن إقالتي من الوظيفة،تكريسا لسعة الصدر لمختلف الآراء،و اعتبارا لحق جميع أطر الوطن،دون تمييز ،فى الوظيفة و استغلال قدراتهم لخدمة بلدهم،فكما يقال فى المثل،قطع الأعناق و لا قطع الأرزاق،فربما من الصعب تلقى خبر السجن و الإقالة فى حق صحفي يعتبر نفسه خدم الاستقرار بقناعة و إصرار،مهما تكن عيوب و نواقص أي عمل بشري،أي كان.
و أنوه بكل المتضامنين،و من كل المشارب،و لكن فى الحقيقة التجربة كانت مؤلمة،و حتى من زاوية ضيقة فقد خدمت النظام القائم بقيادة صاحب الفخامة رغم بعض الانتقادات،فهل كان الجزاء عدم التسامح و عدم الحماية،فقد سهرت الليالى من أجل دعم هذا النظام و دعم الاستقرار لصالح الجميع،موالاة و معارضة،و مثلي يستحق سعة الصدر،فقد كنت الأكثر دعوة للتمسك بعروة العافية و الاستقرار،و كنت الاكثر حضورا إعلاميا،و سأظل ،بإذن الله،و على منحى الاعتدال و الصبر و الإيجابية،و لكن مواقفي وفق حسابات و مصالح عامة بالدرجة الأولى ،فلم يتغير موقفي الداعم لكل ما يدعم استقرار الوطن،بما فى ذلك و عن وعي دعم هذا النظام القائم،بقيادة صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى.