تونس.. جدل حرية الإعلام في سياق الانتخابات الرئاسية
يتصاعد الجدل حول حرية الإعلام في تونس منذ بداية حملة الانتخابات الرئاسية التي انطلقت في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري وتنتهي في 5 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وتحدثت تقارير لمنظمات حقوقية ونقابات عن "تضييق على حرية الإعلام في تونس" باستمرار سجن 5 صحفيين على خلفية المرسوم 54 المؤرخ في 13 سبتمبر 2022 الصادر عن الرئيس قيس سعيد والمتعلق بجرائم ذات صلة بوسائل التواصل الاجتماعي.
وفي 12 سبتمبر طالبت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (مستقلة)، الرئيس سعيد بإصدار عفو عن "معتقلي الرأي" والصحفيين وكل من شمله المرسوم رقم 54.
ويقول سعيد إن منظومة القضاء مستقلة وإنه لا يتدخل في عملها، بينما تتهمه المعارضة باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءات استثنائية بدأ فرضها في 25 يوليو/ تموز 2021.
ومن بين هذه الإجراءات حلّ مجلسي القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
إعلام رسمي
النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين انتقدت في 2 سبتمبر اقتصار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في إعلان القائمة النهائية للمرشحين المقبولين للانتخابات الرئاسية على حضور التلفزة الحكومية فقط.
واعتبرت النقابة أن "هذا البعد الإقصائي الذي انتهجته الهيئة هو محاولة منها للهروب من المساءلة الإعلامية لقراراتها ومن الإجابة على استفسارات الرأي العام حول هذا القرار الذي يتناقض مع أحكام القضاء الإداري".
وأدانت "استبعاد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لكل وسائل الإعلام من تغطية النقطة الإعلامية للإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، واستغلالها للمرفق العام لخدمة هذه الأجندة الإقصائية".
واعتبرت أن "ممارسات الهيئة تدخل ضمن خانة الضغط واستغلال التلفزة العمومية لخدمة صورتها، وخطوة لتوجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام ودورها في إنارة الرأي العام والإخبار عن خلفيات القرار الأخير الذي اتخذته الهيئة".
وفي 2 سبتمبر أعلنت هيئة الانتخابات أن القائمة النهائية للمرشحين تقتصر على 3 فقط (من أصل 17) هم: الرئيس سعيد، وأمين عام حركة "عازمون" العياشي زمال (معارض) وأمين عام حركة "الشعب" زهير المغزاوي (مؤيد لسعيد).
بينما رفضت الهيئة قبول 3 مرشحين (معارضين) بدعوى "عدم استكمال ملفاتهم"، رغم أن المحكمة الإدارية قضت بأحقيتهم بخوض الانتخابات.
والثلاثة هم: أمين عام حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي، والمنذر الزنايدي، وزير سابق بعهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وعماد الدايمي، مدير ديوان الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
ضغوط كثيرة
عايدة الهيشري عضو النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تقول للأناضول: "لا يخفى على أحد أن هناك ضغوطا كبيرة اليوم على الصحفيين تتصاعد مع اقتراب الموعد الانتخابي"، مشيرة إلى أن "هناك مستويان لتصاعد هذه الضغوط".
وتوضح أن المستوى الأول لهذه الضغوط "أنك ترى وسائل الإعلام العمومي تتفادى التعاطي مع الانتخابات في مجملها وتتفادى أخبار المعارضين وتتفادى أخبار القضايا".
وتضيف الهيشري: "المحاكمات تقريبا لا يتم تناولها بالشكل الذي اعتدناه، فإما صمت مطبق أو تناول محتشم".
وتتابع: "أما المستوى الثاني للضغوطات فيتم على مستوى غرف التحرير، فهناك ضغوطات لتجنب تغطيات معينة ووصلنا إلى حد الرقابة الذاتية في الإعلام العمومي والخاص وغابت برامج حوارية عديدة حول المسائل السياسية على الإذاعات الخاصة".
ووفق الهيشري: "مائدة الحوار التي يتم فيها التطرق للوضع العام أو المناخ الذي تسير فيه الانتخابات انتفت إلى أن وصلنا للرقابة الذاتية حول ما يجب أن يمر من أخبار".
"منظمات قلقة"
زياد الهاني، ناشط وصحفي بجريدة "الصحافة" الحكومية وناشط حقوقي يذهب إلى أكثر من ذلك بالقول للأناضول: "المسألة لا تتعلق بأحاديث بل بوقائع مثبتة".
ويضيف: "للوقوف على ذلك يكفي الاطلاع على البيانات الصادرة عن منظمات المجتمع المدني ذات العلاقة مثل نقابة الصحفيين، ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية القضاة، ومنتدى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وغيرها، فضلا عن الأحزاب والشخصيات الوطنية المعارضة".
ويردف الهاني: "هناك محاكمات قضائية تستهدف الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني وأحكام بالسجن تطالهم استنادا للمرسوم القمعي 54 سيء الذكر والصيت، مدونون يلقون نفس المصير، ضغوط بأشكال مختلفة على المؤسسات الإعلامية لتقييد خطوطها التحريرية".
ويشير إلى "غلق مؤسسات الإعلام العمومية في وجه ممثلي المعارضة وكل من له رأي يخالف السلطة، ووضع اليد على مؤسسات الإعلام العمومي وتحويلها إلى أبواق دعائية، وغير ذلك من الممارسات".
واجهة انقسام سياسي
في المقابل يقول مختار كمون، صحفي بإذاعة المنستير الجهوية (حكومية) حول الاتهامات التي تطلق من جهات عديدة من بينها نقابة الصحفيين بالتضييق على الإعلام: "في رأيي الجدل الحاصل بشأن الإعلام والاتهامات بالتضييق جزء من الصراع السياسي الذي تعيشه البلاد".
ويضيف كمون للأناضول: "الانقسام الحاد بين النخب السياسية ومعركة الإلغاء المستعرة بين السلطة والمعارضة انتقلت إلى الإعلام وانقسمت الآراء بحسب الانتماءات السياسية".
وتعتبر قوى سياسية الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 "انقلابا على دستور (2014) الثورة وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى "تصحيحا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
ويتابع كمون: "عموما لا يوجد جريدة وقع منعها من النشر أو جمعها من الأكشاك بعد إصدارها، ولا يوجد قناة إذاعية أو تلفزية وقع إغلاقها أو منع أحد برامجها، بقي أن الصراع السياسي والتشنج في الخطاب هو ما خلق بيئة غير مناسبة للعمل الصحفي".
وعن تجربته الخاصة يقول: "أنا صحفي في الاذاعة الجهوية بالمنستير، رافقت الرئيس في إحدى زياراته الخارجية ضمن الوفد الإعلامي، لم يتدخل أحد في ما أُنتج من أخبار ونشرات".
ويردف قائلا: "عندما سنحت لي الفرصة أجريت حوارا قصيرا مع الرئيس ولم أتعرض لأي صنصرة (مقص الرقابة) لا قبلية ولا بعدية".
وضع صحي وراء التغييرات
وبخصوص التساؤلات التي طرحت حول إقالة الرئيس سعيد مديرة التلفزيون الرسمي عواطف الدالي قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية يقول كمون: "برأيي وحسب ما توفر من معلومات فإن إقالة الرئيسة المديرة العامة جاء نتيجة وضعها الصحي".
ويوضح: "السيدة الدالي حسب ما أعلم تعاني بعد إجرائها عملية على مستوى الظهر ولم تكن دائمة الحضور بالمؤسسة".
والخميس أنهى الرئيس مهام الدالي التي تولت إدارة مؤسسة التلفزيون في 29 يوليو/ تموز 2021، خلفا لمحمد لسعد الداهش، قبل أن يتم تثبيتها في المنصب بقرار رئاسي في 20 يونيو/ حزيران 2023.
وأفادت الرئاسة بأنه تم تكليف شكري بن نصير الرئيس المدير العام للشركة الجديدة للطباعة والصحافة والنشر (حكومية) مديرا عامًا للتلفزيون الحكومي خلفا للدالي.
الهيشري، بدورها تقول: "لا يمكن الاستباق في مسألة أسباب التغييرات الأخيرة في المناصب الإعلامية ولا يمكن الحكم على من عيّن أخيرا ولابد من وقت لفهمها"، وعبّرت عن "أملها تكون التغيرات لتحسين جودة العمل".
وسبق أن نددت النقابة الوطنية للصحفيين في 4 أغسطس/ آب 2023، بتصريح الرئيس سعيّد لدى لقائه بالدالي بخصوص ترتيب فقرات النشرات الإخبارية والمضامين الإعلامية والضيوف، معتبرة أنه "يمثل تدخلًا سافرًا في الإعلام العمومي وسابقة خطيرة لم يقدم عليها غيره"، وفق تقديرها.
واعتبرت النقابة أنّ "التدخل الذي قام به الرئيس يندرج في سياق كامل من الرقابة على الإعلام العمومي والصنصرة وضرب مبدأ التعدد والتنوع والموضوعية"، حسب تعبيرها.
** انتخابات رئاسية دون "صحافة دولية"
وعن منع صحفيي وسائل الإعلام الدولية من التحدث لمرشحي الانتخابات الرئاسية أو مسؤولي حملاتهم يقول الهاني: "التضييق على الإعلام الدولي هو جزء من التضييق على الإعلام بشكل عام".
ويضيف: "السلطة في تونس اليوم تضيق ذرعا بالإعلام الحر وترفض وجوده لأنه يزعجها".
الهيشري بدورها تقول: "مراسلو المؤسسات الإعلامية الدولية هم صحفيون تونسيون، ما يمسهم يمسنا وما يحق لنا يحق لهم".
وتتابع: "نرى في تجارب أخرى أن الصحفيين من كل بلدان العالم من حقهم التغطية وإعطاء صورة عن البلدان ومن حق هذا الاعلام اعطاء المعلومة ".
أمر قانوني بحاجة لتعديل
أما كمون فيقول إن "القانون الانتخابي يمنع على المرشحين إجراء حملاتهم في الإعلام الأجنبي".
ويعتقد كمون أن "هذا القانون يضيّق على الصحفيين العاملين بهذه المؤسسات ووجب تنقيحه".