عام دراسي جديد.. تضامن تونسي لمواجهة غلاء مستلزمات المدراس
مع بداية العام الدراسي الجديد في تونس الاثنين وارتفاع أسعار المواد المكتبية، تنشط حركة لتجميع مساعدات من هذه المواد والكتب المدرسية، لدعم فئات اجتماعية ذات دخل محدود بات من الصعب عليها مواجهة الغلاء.
ووفق المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفعت في أغسطس/ آب الماضي أسعار مواد وخدمات التعليم بنسبة 1,1 بالمئة، ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار الأدوات المدرسية بنسبة 1,5 بالمئة وخدمات التعليم الثانوي الخاص بنسبة 1,4 بالمئة.
لكن حسب المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (أهلية) "تمّ تسجيل ارتفاع في أسعار جميع مستلزمات العودة المدرسية راوح بين 10 بالمئة وو12 بالمئة، ما عدا أسعار الكتاب والكراس المدعم التي لم تشهد أي زيادة".
وقال رئيس المنظمة لطفي الرياحي للأناضول إن "أسعار المستلزمات المدرسية مرتفعة جدا، فكل تلميذ يحتاج ملابس جديدة وزي رياضي وميدعة (سترة) ومحفظة مع الأدوات المدرسية المكلفة".
وأضاف أن "كلفة عودة التلميذ في (المرحلتين) الابتدائي والثانوي سجلت زيادة من 10 إلى 12 بالمئة، لكن مع ترشيد الاستهلاك تقل الكلفة بنحو 30 بالمئة".
وتابع أنه في العام الماضي "تكلف التلميذ نحو 700 دينار (234 دولار)، أما هذا العام فسيتكلف نحو 750 دينار (250 دولار) بين أدوات مدرسية وملابس".
و"لذلك نطالب بأن تصدر وزارة التربية قائمة موحدة للوازم المدرسية من كتب وكراس مدعم (تدعم الدولة أسعاره) بتحديد عدد معين من الكراسات لكل مستوى دراسي"، حسب الرياحي.
وشدد على أنه "يجب ترشيد استعمال الكراس بحسب الحاجة؛ لأن 30 بالمئة من الكميات المقتناة لا تستعمل كل سنة وتُلقى في سلال النفايات المنزلية".
ووفق الرياحي فإن "المجتمع المدني تحرك كثيرا هذا العام لمساندة العائلات المعوزة، كما قامت الدولة بمجهود كبير أيضا في مساندة الفئات الفقيرة على مجابهة تكاليف العودة المدرسية".
"خويا الكبير"
وحسب مصادر من الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي (رسمي)، تم تجميع كميات هائلة من المستلزمات المدرسية وتوزيعها على عائلات محتاجة.
مراسل الأناضول انتقل إلى مقر جمعية "خويا (أخي) الكبير" (أهلية) في أحد أحياء مدينة منوبة غرب العاصمة تونس، وواكب حركة الاستعداد للموسم الدراسي.
ففي مقر الجمعية تم تجميع مستلزمات مدرسية مختلفة، ما ساهم في مساعدة عشرات العائلات ذات الدخل المحدود، في مواجهة نفقات العودة المدرسية.
مؤسس الجمعية رضوان الغربي قال للأناضول: "جمعيتنا ذات صبغة اجتماعية تأسست منذ 2014، وفي بداية الموسم الدراسي هناك حاجة لمساعدة العائلات المحدودة الدخل، وهي حاجة موجودة من قبل وفي السنوات الأخيرة أصبحت ملحة".
وفسر الغربي، وهو طبيب جامعي مختص في الغدد والسكري، تلك الحاجة بأن "تكاليف العودة المدرسية باهظة جدا والأطفال في حاجة إلى مستلزمات عديدة ومتعددة، وثمنها مرتفع".
وتابع أن "العائلات في جانب كبير منها أصبحت لا تقدر على تلبية هذه النفقات الكبيرة، لذلك نحتاج المد التضامني الآن أكثر من أي وقت مضى".
و"نتوجه إلى الأحياء الشعبية؛ لأننا نبحث عن عائلات لها أطفال يدرسون وتعيش بدخل مادي لا يكفي لتحقيق الحد الأدنى للحياة الكريمة"، وفق الغربي.
وحول الأحياء التي يهتمون بها، قال: "لنا أطفال في سيدي حسين (غرب العاصمة) والزهروني وحي التضامن (غرب العاصمة) ودار فضال (شمال العاصمة)".
وكذلك في "الأحياء المتاخمة لضاحية المروج (جنوب العاصمة) وشمالا أحياء في مدينة بنزرت ومنزل جميل و منزل بورقيبة ولنا عائلات في مدينة صفاقس (جنوب)"، وفق الغربي.
اهتمام متنوع
الغربي قال: "نحن لا نهتم بالدخول المدرسي فقط، والعودة المدرسية ليست إلا بداية، وإذا أردنا إنجاح أطفال والعناية بهم لا يجب أن نقتصر على البداية".
وأوضح أن "الأطفال الذين نهتم بهم منذ سنوات نعتني بهم في جوانب متعددة، والجانب الدراسي هو أحد اهتماماتنا، والجانب الدراسي فيه أولا شراء ملابس جديدة خلال العودة المدرسية، وثانيا نقدم لهم الدعم المدرسي خلال السنة الدراسية ليحققوا النجاح والتألق".
والجانب الثاني للعناية بالتلاميذ، كما أردف الغربي، فهو "الجانب المعنوي، ويتركز أساسا على إعلاء مكانة الطفل؛ لأن في الوسط الذي يعيش فيه لا يوجد كثير من الناس يهتمون بأحلامه وأماله".
واستطرد: "نحن نشجع هؤلاء الأطفال بإعطاء قيمة لعملهم الدراسي، ونمنحهم جوائز قيّمة لمن يبذل جهدا منهم وينجح نهاية السنة الدراسية، وهذه المسالة أعانتنا كثيرا في إحساس الأطفال بمكانتهم في المجتمع".
وثمة جانب ثالث للاهتمام بالتلميذ هو "الجانب المادي؛ لأنه لا يمكن أن تطلب من الطفل التميّز في الدراسة وهو يعاني من ناحية المأكل والملبس والسكن"، حسب الغربي.
وحول "خويا الكبير"، أوضح قائلا: "جمعيتنا تتكون من أطباء وهناك رجال قانون وممرضون ومعلمون وأساتذة وأصحاب شركات صغرى ومتوسطة".
وأضاف: "هي نخب تونسية آمنت أن نجاحنا في المجتمع كان نتيجة أننا كنا محظوظين، ولكن هناك أناس لم يكونوا محظوظين بأن يعيشوا في أسر مرفهة".
وأردف: "فأردنا أن نقاسم مع هؤلاء التلاميذ الفرحة التي كنا نعيشها ونحن صغار واهتمام والدينا بنا من خلال شراء ملابس العودة المدرسية وملابس العيد وغيرها، ورأينا أن هناك نتيجة إيجابية، لذلك نواصل عملنا منذ 10 سنوات."
مواسم استهلاك
مديرة جمعية "خويا الكبير" مريم السعيدي وجدناها ترتب الأدوات المدرسية، من كراسات وكتب وأقلام وغيرها، في مقر الجمعية قبل تسليمها لمستحقيها.
مريم، وهي خريجة كلية الحقوق بمدينة أريانة (شمال العاصمة)، قالت للأناضول: "أعمل مع الجمعية منذ 6 سنوات ومؤمنة بهذا العمل الخيري".
وأضافت: "نعتني بالتلاميذ في العودة المدرسية وخلال رمضان وعيد الفطر، ونعطي جوائز نهاية السنة الدراسية، أي نتدخل كلما كان هناك ضغط مادي على المواطن في مواسم الاستهلاك الكبيرة".
وتابعت: "الآن لنا عودة مدرسية.. اشترينا للأطفال المواد المدرسية (..) والملابس التي يريدونها".
عائلة كبيرة
وبخصوص التلاميذ الذين تتكفل بهم الجمعية، قالت مريم: "لنا أطفال من السنة ثالثة (الابتدائي) إلى البكالوريا (الثانوية)، وكل عضو من الجمعية يتكفل بمهمة معينة".
وأضافت: "نعتمد على وسائلنا الخاصة في إيصال المساعدات إلى العائلات في مختلف الجهات، ونعتبر أن الأطفال إخوتنا الصغار، ونرى أنه من واجبنا القيام بهذا، وتونس هي عبارة عن عائلة كبيرة يجب أن تتضامن في كل المناسبات".
ومشيدة باستجابة المتبرعين، تابعت: "هناك كثير من الناس يلبون دعواتنا التي نطلقها (..) للتبرع لفائدة هذا العمل الخيري".
ووفق أرقام رسمية للعام الدراسي 2023- 2024، يبلغ عدد التلاميذ مليونين و356 ألفا و630 في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.
فيما يبلغ عدد المدرسين الدائمين والمتعاقدين 156 ألفا و234 مدرسا للمراحل كافة، ويتوزعون على 6 آلاف و139 مؤسسة تربوية.