ولد في لكوارب، وألف مسرحيات محلية لم تكتب.. قصة ساعد ولد بلال

بقلم: البراء محمدن/ تعد الفكاهة عنصرا هاما من عناصر الأدب، فهي لون هزلي موجه، يقوم على النقد المضحك أو التنبيه والإشارة الهازئة يعتمد صاحبها على أساليب ووسائط فنية مختلفة، وبما أن الضحك والفكاهة جزء من الحياة اليومية..

 

يظل للفكاهي وظيفة روحية مبهجة، ولا بد أن يكون لديه قدرة على للفت الانتباه،  لاسيما إذا طرح موضوعه بطريقة فكاهية مازحة، فقد قال القدماء أن الإنسان يتعلم بالضحك أكثر مما يتعلم بالتجهم، فمن شأن روح الدعابة شرح الصدور، وتهدئة النفوس، حتى إن الجاحظ قال ممتدحا الفكاهة ومؤكدا أهميتها: "من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر".

 

هذه الشخصيات المريحة تعيش بيننا كفراشات جميلة كأنها خلقت من أجل سعادة الآخرين وحين ترحل تترك فراغا كبيرا لا يسده شيء.

 

هكذا كان ساعد ولد بلال، الذي ولد عام 1945 بمدينة لگوارب، فقد هاجرت والدته اخويدم بنت ساعيد، مع بعض اقربائها بعد الحرب العالمية الثانية إلى شمامة للبحث عن مناطق زراعية تؤمن  العيش الكريم.  لما بلغ سن المراهقة رجع لأهله بضواحي الدوشلية إلا أن حياة الانتجاع لم ترق له في تلك الفترة من عمره فغادرها  باكرا ميمما وجهه شطر العاصمة الفتية نواكشوط، أواسط ستينيات القرن الماضي ليفتح بها مغسلة أواسط السبعينات وكانت عنوانا من العناوين التي لا يمكن لمن قدم من القرية أن يتجاهلها فأصبحت مغسلته مسكنا وملاذا لكل التلاميذ والطلاب وصغار الموظفين بنواكشوط دون أي تمييز.

 

وقد قال لي ذات مساء كان يحدثني عن تاريخه  "أنا افتحت ذيك المغسلة مزالُ اهل نواكشوط اعل بابهم وامين عاد فيهم شِ اصرگُ الناس اگفلتها"
وقام بإغلاقها عام 2000 ليتفرغ لتنمية غنمه ومساعدة كل من يحتاج المساعدة.

 

تميز ساعد بالذكاء وسرعة البديهة كما أن الله حباه بقبول وأريحية قل نظيرهما، ساعيد يألف ويؤلف وكان مجلسه محببا عند جميع الفئات العمرية بسبب فكاهته وقدرته الفائقة على توظيف العبارات حتى تحمل شحنات دلالية غير تلك التي تحملها في الظاهر. "الديمين"في أبهى صوره.

 

يمكن القول أنه كان شكسبير من عرفه. 

 

فقد ألف ساعيد مسرحيات محلية لم تكتب وللأسف لكنها عبرت عن الواقع والمحيط الذي كان يعيش فيه وقد عرف بتمكنه من ناصية اكلام أزناگه وجزالة التعبير به، وبالقدرة الفائقة على وصف الشخصيات المؤثرة في زمنه وتقليدها أحسن تقليد في مسرحياته الجميلة تلك.

 

ومن طريف قصصه أن بداية ظهور الهاتف المحمول بداية الألفية كان نسوة القرية يذهبن إلى أعلى الكثبان الرملية المحيطة بها يبحثن عن شبكات الاتصال للابلاغ بحوائجهن.

 

وقد مرّ ساعيد قرب سيدات كن يبحثن عن شبكة الاتصال فقالت احداهن للمتحدث معها في الطرف الآخر "انت امعاي" تريد أن تتأكد من وصول الصوت إليه.

 

سمع ساعيد تلك العبارة وقال: "لعليات فيهم وحدات يطلع ذِ العَكْلَ والا اتگول
 "انت امعاي"
 إلين ينگالْهَ أهيه ترجع جايَ".

 

عانى ساعيد من مرض القلب ولم يمهله وللأسف..

 

وفي يوم 28 يونيو سنة 2021 وكان يوما صيفيا حزيناََ شعر  ساعيد بضعف عام في قواه وأحس أن أجله حان وهو المسلم الجاهز لذلك الوقت. 

 

وقد أراد أن يخفف من حزن بناته عليه لما رأى في أعينهن الخوف من تدهور صحته  فداعبهن حتى سالت دموعهن ضحكا وبعد ذلك بهنيهة أسلم الروح لباريها لتختلط دموع ضحك بناته بدموع حزنهن عليه، ووري جثمانه الطاهر بمقبرة الدوشلية.

 

رحم الله ساعيد وأسكنه فسيح جنانه مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 

 

 

29 August 2023