الصوفي.. درع الشعب الحصينة!

لم أتشرف بمعرفة المرحوم الصوفي ولد الشين ولم أحظ بالاطلاع على نشاطه الجمعوي؛ وذلك بسبب ضعف المتابعة عموما للشأن السياسي والإعلامي في الفترة الأخيرة.

 

أذكر أنه صادفني عرَضا أحد تسجيلاته لست أذكر مضمونه بالتفصيل ولكن أظنه كان يتحدث عن الوحدة الوطنية..

 

اليوم ووري جثمانه الثرى في مشهد وطني مهيب اجتمعت له موريتانيا بكل ألوانها وأعراقها وفئاتها.

 

قبل أيام شاهدت مقطع فيديو قيل إنه في آخر تجمع نظمه المرحوم قبيل وفاته وأنقل هنا بالحرف فقرات منه لروعتها ودلالتها؛ ولعلها تفسر حجم الالتفاف والاحتفاء:

"أنا الصوفي ولد الشين الملقب صوت الشعب...

أنا درع لهذا الشعب أموت دونه؛ ولكن أموت دونه وأتركه موحدا ولن يفرقه أحد..

وسنبقى نحن لكور والبيظان ولحراطين مجتمعين ومتحدين ومتعاضدين.. متكاتفين متلاحمين في بلد واحد، مصيرنا واحد ومستقبلنا واحد..

هذا ما يمليه علينا ديننا الحنيف وتمليه علينا عادات أجدادنا رحمهم الله..

ولذلك أخذت هذه المبادرة ولا رجعة فيها، هذا قراري ولن أنثني عنه "تيار اللحمة الوطنية" انتهى كلامه رحمه الله.

 

بخ بخ بخ!!! 

ما أسمى هذا الوعد وما أنبل هذه المهمة وأشرف هذه الرسالة!

 

يقول الشهيد سيد قطب "إن كلماتنا تظل عرائس من شمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتب لها البقاء".

 

فعلا كلمات الصوفي دبت فيها الروح؛ حين أمهرها من روحه ودمه وقدم في سبيلها حياته.

 

مات الصوفي ليكون فعلا درعا حصينة لهذا الشعب، درعا لوحدته وحريته وكرامته وحلمه المنشود..

 

ويجب أن يزلزل موته أركان بؤر الظلم في بعض مفوضيات الشرطة وإدارات الأمن.. يجب أن تطيح وفاته برؤوس مردت على الظلم والجهل والخفة والطيش واحتقار المواطنين والدوس على كل قيم الشرع والأخلاق والقانون..

 

أغبياء هم الجلادون وحقراء ومتخلفون..  أرادوا إسكات صوته "صوت الشعب" ولكنهم جعلوا صوته فوق كل منبر وعلى كل لسان..

 

أرادوا بموته أن يعبثوا باستقرار الشعب ووحدته وأمنه.. فكانت وفاته موحدة لكل الشعب بكل فئاته وأعراقه ومكوناته.

 

فعلا؛ لا تموت الأفكار ولا القضايا العادلة بموت أصحابها، وكلما اختنق أصحابها وأوذوا في سبيلها كلما رفرفرت هي عالية في سماء الخلود والتأثير! .. تلك سنة الله الباقية.

 

يجب أن تأخذ العدالة مجراها، وتستمر المتابعة حتى يلقى الجناة أقسى العقوبات، ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه استخدام منصبه ومكانته للإضرار بمواطنين استأمنوه على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم.

 

يجب أن تأخذ هذه القضية مداها حتى تُستأصل المنظومة التي فرَّخت هذه الممارسات المشينة وتتطهر البيئة الموبوءة التي يتكاثر فيها أصحاب القلوب الخبيثة والأيادي القذرة..

 

المبشر فعلا في هذه القضية هو التعاون البناء بين السلطات القضائية والإدارية من جهة، وأهالي الضحية والنشطاء المدنيين من جهة أخرى، هذا التعاون الهادف إلى كشف الحقيقة ومحاسبة الضالعين والمتواطئين..

 

ولكن يجب ألا يركن طرف إلى هذا التعاون الإيجابي البناء، بل يجب على الكل أن يتحمل مسؤوليته كاملة، الجدية والسرعة والمصداقية والصرامة في المحاسبة من طرف الجهات الرسمية، والمتابعة الحثيثة وعدم الرضوخ للضغوط المجتمعية والمضاء في الأخذ بالقصاص من طرف أهالي الضحية..

 

والمؤازرة الجادة من طرف النشطاء والمجتمع المدني بعيدا عن الاستغلال والمزايدة والانتهازية..

 

وفي الأخير، ومهما تكن نتيجة التحقيقات ومهما تكن دوافع الجريمة النكراء؛ إلا أن ما لا يختلف عليه اثنان هو أن جهاز الأمن عموما وقطاع الشرطة بالتحديد ما زال يعشعش فيه العفن ويدار - في كثير من جوانبه -  بأدوات وعقليات وأشخاص بعيدة كل البعد عن منطق وأخلاق وقانون الدولة.. وهو ما يستوجب قرارات جريئة من طرف السلطة والرئيس، حتى يواكبوا بعض تطلعات وآمال هذا الشعب.

 

وخلاصة الخلاصات؛ هي أن هذا الشعب رغم الظلم والغبن والمآسي والآلام؛ متمسك بوحدته، متشبث بانسجامه، متعلق بكل من يحمل هم الوحدة والحرية والعدل جميعا.. فليعقل ذلك العابثون والمتسرعون والمستغلون.. وليرفع الأحرار الصادقون راية للحرية والكرامة بيد، وراية للوحدة واللحمة والأخوة بيد.

 

رحم الله الصوفي وغفر ذنبه وأخلفه في أهله ووطنه وأمته بخير.

 

محمد فاضل المختار

 

 

15 February 2023