متلازمة مجلس الوزراء
"اجتمع مجلس الوزراء اليوم... تحت رئاسة فخامة/ السيد رئيس الجمهورية... وصادق على مشروع قانون... ومنَح رخصةَ تنقيب... واتخذ الإجراءات الخصوصية التالية... وقدم وزير الداخلية بيانا عن الحالة في الداخل، وقدم وزير الخارجية تقريرا عن الوضع الدولي".
بهذه الكلمات يُختتم كل أسبوع تقريبا من أسابيع الجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ أن وعيت الدينا، وأرجو من القراء الأكبر مني سنا تذكر بدايات هذا التقليد الذي لم يبق من تراث الجمهورية الأولى شيء دون تعديل سواه، وقد صمد هذا التقليد في ظل السلطات المتعاقبة دون أي تغيير يذكر اللهم إلا في بعض الأسماء - لا كلها - وتحويل موعد الاجتماع من الأربعاء إلى الخميس.
لا أستغرب أن يجتمع مجلس وزراء دولة ناشئة مثل دولتنا أيام جيل التأسيس كل أسبوع، ولا أنكر مناقشة مجالس وزرائنا الأقدمين للتفاصيل الصغيرة مع القضايا الكبيرة بحكم طبيعة الظروف وحجم الإدارة التي لا يتجاوز طاقمها وأعمالها وميزانياتها ما يتوفر لدى إدارة صغيرة من إداراتنا اليوم، لكني أقف مندهشا كل أسبوع وأسأل نفسي لم لم يحدث أي تطوير في نظام مجلس الوزراء على مر السنين؟ ولم ينشغل المجلس الموقر الذي تجتمع بين يديه جميع السلطات التنفيذية بافتتاح مدرسة ابتدائية أو تطوير شارع فرعي أو تعيين مدير إدارة أو حاكم أو رئيس مركز إداري؟ مع أن هذه المسائل كلها وما شابهها لا تحتاج لكل هذه السلطة بل يكفيها توجيه من وزير لديه الحول القوة في وزاته، وله الأمر والنهي في حدود صلاحياته.
إنني - مثل كثير من المواطنين - نتوقع من مجلس وزرائنا الموقر الكثير، وأتمنى أن يكون كل اجتماع من اجتماعاته خبرا بحد ذاته تضع الصحافة أصابعها على الزناد في انتظاره، ويترقب الساسة ورجال الأعمال مخرجاته، ويفرح المواطنون العاديون بفوائده ونتائجه، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة النظر في نظام مجلس الوزراء من حيث الشكل ومن حيث المضمون.
أما من حيث الشكل فأتمنى التخفيف في كم الاجتماعات مع التركيز على المضامين والمخرجات، ومما يثير الاستغراب أن أي مجلس إدارة لمؤسسة ناجحة أو مجلس علمي لجامعة مرموقة لا يجتمع إلا شهريا في أحسن الظروف، بينما تجتمع كل السلطات التنفيذية لدينا كل أسبوع دون نرى آثارا لتلك الجعجعة. وأتمنى التخفيف على السادة الوزراء من حمل أسفار الملفات إلى القصر كل أسبوع، واستبدالها بنظام إلكتروني حديث وخفيف وآمن.
وأما من حيث المضمون فأرجو ألا تهدر ثانية واحدة من وقت المجلس الثمين إلا على ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وبدل التركيز على القضايا الآنية والصغيرة أرجو الاهتمام بالقضايا الإستراتيجية من قوانين وأنظمة وخطط تتجاوز الإجراءات الآنية وسماع التقارير التي تصل أصلا عبر سلماها الطبيعي، وألا يجتمع المجلس ولا يناقش ولا يبت إلا في القضايا الكبرى التي تخدم أكبر فئة من المجتمع، ويمكن وضع معيار كمي بحيث توكل جميع القرارات التي لا تخدم أكثر من 10 آلاف مواطن إلى صلاحيات الوزراء والأمناء والمدراء.
ولست أدعو إلى تغيير ولا تبديل شامل ولكني ألتمس من فخامة رئيس الجمهورية الموقر وكبار مستشاريه المحترمين أن يفكروا مرة ثانية في نظام مجلس الوزراء وتقييمه تقييما شاملا ليبقى ما يفيد ويستغنى عما لا ينفع، ودائما ما يقولون إن إصلاح أي سلم ينبغي أن يبدأ من أعلاه.
أحمد يعقوب أحمد بزيد - أستاذ جامعي