الاتحاد الأوروبي والملف الأمني في مالي في عام 2023

priyanka Shankar/DW

 

دعا الخبراء الأمنيون الأوربيون إلى البحث عن خطط أكثر فاعلية ونجاعة لمواجهة أعمال العنف في مالي، والتي استمرت بالتزامن مع دخول العام الجديد.

 

تسببت الخلافات مع المجلس العسكري الحاكم في مالي وعلاقته الوثيقة بالمرتزقة الروس على مدار العامين الماضيين في جعل فرنسا وحلفائها من الاتحاد الأوروبي يقرران رسميا إنهاء العمليات الأمنية في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا هذا العام، مما قد يعني مزيدا من المخاطر الأمنية في البلاد.

 

أعلنت فرنسا في فبراير سحب قواتها في مالي على مدى أشهر بعد ما يقرب من عشر سنوات من الاضطرابات وأعمال العنف في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، والتي بدأت علاقاتها مع فرنسا في التدهور، عندما تولى المجلس العسكري الحاكم في مالي السلطة في انقلاب عام 2021.

 

 

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حينها "لا يمكننا أن نظل منخرطين عسكريا إلى جانب سلطات الأمر الواقع في باماكو والتي لا نشاركها استراتيجيتها ولا نتفق مع أهدافها الخفية" وأضاف أنه سيتم نشر القوات الفرنسية والبعثات التي تقودها فرنسا في أماكن أخرى في منطقة الساحل، وهي منطقة شاسعة شبه قاحلة تفصل بين الصحراء الكبرى من الشمال والسافانا الاستوائية من الجنوب.

 

بعد شهرين تقريبا، أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن مهمة التدريب العسكري المسماة EUTM، سيتم تعليق عملياتها مشيرا ضمنيا إلى تعاون المجلس العسكري مع المرتزقة الروس من مجموعة "فاغنر"، وهي منظمة عسكرية خاصة لها علاقات وثيقة مع الكرملين، اتُهم عملاؤها بارتكاب انتهاكات خطيرة في دول مثل سوريا وأوكرانيا، وكذلك في مالي.

 

في غضون ذلك، أمضت ألمانيا شهورا في مناقشة مسألة بقاء قواتها في مالي. وشاركت القوات الألمانية في مهمتين في مالي، في إطار بعثة التدريب التابعة للاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، المعروفة باسم "مينوسما"، لكن العلاقات الوثيقة بين الدولة الإفريقية ومجموعة "فاغنر" تسببت في اتخاذ الحكومة الألمانية قرارا ببدء سحب قواتها بحلول منتصف عام 2023 وسحب جنودها بالكامل بحلول مايو 2024.

 

جاء هذا الإعلان بعد أن أعلنت المملكة المتحدة أيضا أنها ستسحب وحدتها قبل الموعد المخطط له في ديسمبر 2023.

 

 

رحب وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب ووزير الدفاع العقيد ساديو كامارا بالمفاوضات الثنائية مع الشركاء الأوروبيين الذين يرغبون في التعاون بهدف الحفاظ على الأمن في البلاد، ودعا رئيس الاتحاد الإفريقي ماكي سال إلى مزيد من التضامن مع الدول الإفريقية في منطقة الساحل.

 

وقال في مقابلة مع DW في فبراير، قبل وقت قصير من إعلان فرنسا سحب قواتها: "إذا لم يكن هناك سلام وأمن في إفريقيا، فلن يكون في العالم"

 

قال الخبير في شؤون غرب إفريقيا جوناثان جيفارد، الباحث البارز في معهد مونتين، وهو مركز أبحاث فرنسي، لـDW، قال إن تأثير انسحاب كل دولة كان مختلفا حتى الآن.

 

مضيفا أن "الانسحاب الفرنسي يعني نهاية عملية برخان العسكرية التي كانت عملية عسكرية شرسة ضد الجماعات الجهادية في مالي" "ومنذ ذلك الحين، اقترحت فرنسا آلية أخرى جديدة لمواصلة العمل مع السلطات المالية، لكن الأخيرة رفضت وحاليا لا يوجد تعاون بين فرنسا ومالي".

 

"من ناحية أخرى، كانت القوات البريطانية والألمانية جزء من عمليات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأشرفت قواتهما على الكثير من التدريب العسكري، دون أن يكون لهما دور في العمليات القتالية، لذلك شكّل الانسحاب الفرنسي ضربة قوية للعمليات القتالية.

 

الوضع الأمني في مالي

حتى عام 2012، كان الوضع الأمني في مالي غامضا، حيث شهد صراعا مريرا وداميا بين العديد من الجماعات الانفصالية من جهة وضد الحكومة من جهة أخرى.

ومع وصول المجلس العسكري بقيادة العقيد عاصيمي غويتا للحكم، فإن الوضع الأمني على الأرض ما يزال مأساويا للغاية وفقا لجيفارد، خاصة في شمال ووسط مالي.

 

"في الجزء الشمالي من البلاد، لا توجد تقريبا أي قوات عسكرية حكومية، لذا فإن الجماعات الجهادية لديها كل الحرية لفعل ما يحلو لها، مما يزيد من المخاطر الأمنية في المستقبل القريب".

 

وفي الوقت نفسه، في وسط مالي، تقاتل القوات المسلحة الجماعات الجهادية، لكن عمليات المجلس العسكري تجري أيضا بالتنسيق مع مجموعة فاغنر الروسية مما يجعل الأمر خطيرا على السكان المحليين الذين لا يخفون عدم شعورهم بالأمان".

 

في عام 2013، تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، والتي تضم حوالي 15000 جندي وشرطي، كما أنشأ الاتحاد الأوروبي مهمة تدريب عسكري مع 1000 جندي تم نشرهم لتدريب القوات المسلحة المالية وكان الجنود الألمان جزء من هاتين المهمتين.

 

تم نشر القوات الفرنسية بعد عام لمحاربة الإرهاب في مالي في عملية برخان، التي دعمتها قوة تاكوبا في عام 2020.

 

لكن وصول مجموعة فاغنر في عام 2021 وعلاقات فرنسا المتوترة مع المجلس العسكري أدى إلى انسحاب قوات الاتحاد الأوروبي.

 

قبل القمة الأوروبية الإفريقية، قال كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل للصحفيين إن الاتحاد الأوروبي "لن يتخلى عن منطقة الساحل".

 

وأضاف "نحن فقط نعيد هيكلة وتنظيم صفوفنا" مضيفا أن دعم الاتحاد الأوروبي سيعتمد أيضا على الوضع السياسي في البلاد.

 

قالت فيرجيني بوديس، كبيرة الباحثين في برنامج الساحل وغرب إفريقيا في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لـDW إنه في حين أن مهام التدريب العسكري للاتحاد الأوروبي كان لها تأثير إيجابي، ويخطط المسؤولون لمواصلة تقييم وجودهم في مالي ومنطقة الساحل، فإن القوات المسلحة المحلية غير راضية عن الاتحاد الأوروبي.

 

"لقد أجرينا مقابلات مع القوات المسلحة المالية منذ فترة ولم ينتقدوا مهمة تدريب الاتحاد الأوروبي لكنهم طالبوا القوة بالسعي إلى شراكة متساوية معهم". وأضافت "إنهم حريصون على المشاركة في النقاش حول أمن مالي مع القوات الدولية".

 

الوجود الروسي؟

نفت حكومة مالي استخدام مرتزقة روس من مجموعة فاغنر، وبعد اجتماع مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في فبراير، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي إن الكرملين لا علاقة له بالمقاولين العسكريين الروس في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.

 

لكن جيفارد سلط الضوء على أن الاتحاد الأوروبي بدأ في معالجة قضية تعاون المجلس العسكري في مالي مع مجموعة فاغنر الروسية.

 

"أوروبا تفهم تماما قواعد اللعبة الروسية في إفريقيا، إنهم يعلمون أن دولا أخرى مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد هي أيضا أهداف روسيا المقبلة، لذلك تجري دول مثل فرنسا حوارات دبلوماسية في هذه المنطقة لمنع أي عدوان استراتيجي جديد تشنه روسيا في غرب إفريقيا".

 

"كان للحرب في أوكرانيا تأثير على القوات الروسية ووكلائها، مما جعل الكرملين حريصا على مواصلة وجوده في مالي من خلال جماعة فاغنر، لكن الاتحاد الأوروبي بدأ في اتخاذ إجراءات على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، على سبيل المثال، تدير المجموعة الروسية حملات تضليل في قنوات التواصل الاجتماعي في غرب إفريقيا والتي بدأ الاتحاد الأوروبي في معالجتها".

 

وأوضحت بوديس أيضا أنه في حين أن رغبة مالي في المطالبة بسيادتها أمر مفهوم، فإن تنويع التحالفات بهذه الطريقة يضر بالسكان المحليين.

 

"مع فاغنر، تكمن المشكلة في أن عدد المدنيين الذين قتلتهم الجماعات المسلحة مستمر في الازدياد، والوضع الإنساني يزداد سوء، وكذلك العنف ضد السكان. وأضافت بوديس "بدون أي دعم من الاتحاد الأوروبي، سيكون من الصعب مواجهة الجماعات الجهادية والحفاظ على الاقتصاد وكذلك حماية السكان المحليين".

 

المسار إلى الأمام

تسبب بدء انسحاب القوات الأجنبية في ضبابية مستقبل الوضع الأمني في مالي، بينما يدعم بعض السكان المحليين وضع المزيد من الثقة في السلطة المحلية من أجل تأمين البلاد، ويحرص آخرون على إيجاد طرق جديدة للتعاون مع القوات الأجنبية لمكافحة الإرهاب بشكل فعال.

 

وسلط جيفارد الضوء على أن العنف يمتد إلى الدول المجاورة على طول الساحل مثل توغو وغانا وساحل العاج، وهذا الانتشار لا يرجع فقط إلى الجماعات الجهادية، ولكن أيضا إلى صعود الميليشيات المحلية في جميع أنحاء منطقة الساحل.

 

وأوضح جيفارد: "هذا هو المكان الذي يجب أن تزيد فيه أوروبا من وجودها ومنه يمكن أن يكون لها تأثير قوي في حماية هذه المناطق على طول الساحل".

 

ويختم جيفارد "في مالي، في عام 2023، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعتمد نهجا محليا للغاية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية والتعاون الاقتصادي والاجتماعي، فمن الواضح أن التعاطي يجب أن يكون أكثر حزما وتخطيطا، لأنك عندما تتحدث مع الكثير من الناس في غرب إفريقيا، فإنهم لا يزالون منفتحين للغاية على التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي ومع فرنسا، ويطلبون فقط من الأوروبيين الاستماع".

 

المصطفى ولد البو - كاتب صحفي ومترجم

 

7 January 2023