المنطق السليم في بناء الأوطان..

المنطق السليم، يفرض أن جميع الفرقاء السياسيين، إنما يَتَبارَوْنَ، ويتنافسون، سعيا إلى خدمة المصالح العليا لهذا الوطن الغالي، موريتانيا. والمنطق السليم يفرض كذلك، أن لكل المواطنين الموريتانيين، بمن فيهم الرئيس السابق، الحق الكامل في ممارسة السياسة، والتعبير عن آرائهم، بكامل الحرية؛ شريطة التقيد التام بالنصوص الإجرائية، والاحترام الدائم للقوانين المعمول بها في البلد، والحفاظ على الأمن، والسكينة العامة.

 

ولقد شهدت موريتانيا أروع حدث ديموقراطي، يمكن أن تصل إليه ديمقراطية ناشئة، يوم أن احتضن قصر المؤتمرات في نواكشوط، حفل تسلم الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية الماضية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، مقاليد الحكم من يد سلفه، بكل انسيابية، وسلاسة ونضج ديموقراطي. وكان الحدث فعلا عظيما، وكان من المفترض أن يتم ترسيخه بتكثيف التشاور والتعاون، والتواصل الوُدِّيُ الدائم بين "المُحمَّدَيْن"؛ وتثمين ذلك التناوب، والإشادة به، والبناء عليه مستقبلا. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فتمَّ دَقُّ إسفينٍ آثمٍ بين رفيقي الدرب الطويل؛ مع ما تبع ذلك، من فتح الباب مُشْرعاً أمام أكبر مؤامرة سياسية في تاريخ البلد. وبدلا من أنْ تَنْصَبَّ الجهود نحو ترسيخ وزيادة المكتسبات، أُقْحِمَ البلدُ إقحاماً، وشُغِل المواطنُ شُغْلاً، بتتبع تفاصيل وحيثيات "ملف العشرية"، ملف التلفيق، ملف كيل التهم جزافا، ملف الكيد السياسي الفظيع؛ الذي لم يحمل في طياته، إلا زرع الحقد، وحفر الكراهية بين المواطنين؛ وتصفية الحسابات، وكيل الاتهامات، زورا وبهتانا.

 

أما اليوم، ونحن على أبواب استحقاقات انتخابية جديدة، وبعد حسم معركة "المرجعية" في الحزب الحاكم، وميلاد حزب "الإنصاف" من رحمه، والذي أتى ثمرة جهود المقتنعين بالبرنامج السياسي لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ولهم الحق الكامل في ذلك؛ فإنه يبقى من المفيد، تفاديا لما يخلقه الاستقطاب الحاد من سلبيات، إدراك أنه على قيادة الحزب الحاكم اليوم دعم مسار ديموقراطي جاد، يُحترمُ فيه اختيارُ المواطن الموريتاني، طبقا لما ستفرزه صناديق الاقتراع. ولن يتم ذلك إلا بإشاعة روح التنافس الحيادي من الآن، بين جميع الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب الرباط الوطني. وكذا الإسراع بالاعتراف بالأحزاب السياسية قيد الإنشاء، حرصا على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، التي من أبجدياتها، فتح باب التنافس الحر بين جميع الأحزاب السياسية. فمع التزام الشفافية المطلقة في عمليات التصويت، والفرز، والإعلان عن النتائج، يكون الفوز لموريتانيا الوطن، أولا وقبل كل شيء. وبكسب رهان الشفافية، وإشاعة روح التنافس الحر والعادل بين الجميع، من بداية فترات التنافس إلى نهايتها؛ تضمن موريتانيا العبور إلى مصافِّ الدول الحديثة، ذات الأنظمة الديمقراطية التوافقية المحترمة. فوحده التناوب السلمي على السلطة، والذي أعاد الرئيس البرازيلي السابق، لويز إيناسيو لولا داسيلفا، بعد السجن والتهم بالفساد، إلى دفة الحكم؛ وحده التناوب السلمي على السلطة، يشكل صمام الأمان، في وجه تحديات فشل الدول واضمحلالها. ولا يمكن أن نضمن ذلك، إلا بمشاركة الجميع.

 

بقلم: محمد يسلم يرب ابيهات - beihatt@gamil.com

6 December 2022