نظام الحماية الاجتماعية والصحية في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني

في هذا المقال سنناقش بعجالة وباختصار مفهوم نظام الحماية الاجتماعية وأهميته بالنسبة لكل دولة ومجتمع، وخصوصا بالنسبة لقطاع الاقتصاد الذي هو المعيار الأساسي لقياس مدى تقدم الدول والأفراد والمجتمعات في مختلف ميادين الحياة، وسنناقش أيضا ما السبب الذي جعل من الأهمية بمكان ضرورة التحدث عن نظام الحماية الاجتماعية وما شهده من تطور وتنوع ودينامكية خلال الأعوام القليلة التي مضت من قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني للبلد.

 

في البداية، ننبه إلى أن نظام الحماية الصحية هو جزء لا يتجزا من نظام الحماية الاجتماعية، وذكره مفردا في العنوان هو من باب عطف الخاص على العام لأهمية نظام الحماية الصحية في نظام الحماية الاجتماعية.

 

إن أي دولة  لكي تتمكن من إنشاء اقتصاد قوي  يمكنها من القيام بجميع وظائفها الأمنية والدفاعية والخدماتية والدينية والثقافية اتجاه أفراد شعبها ليعيش بكرامة لا بد لها من طبقة عاملة سواء في العام أو الخاص تتمتع بالحد الأدنى من الصحة البدنية والنفسية والخدمات الاجتماعية من رعاية للعمال وأسرهم خلال مرحلة العمل ومن رد الجميل لهم خلال مرحلة التقاعد بل لا بد للدولة من السهر على الحد الأدنى من الخدمات الصحية والاجتماعية لجميع أفراد الشعب، ليس فقط كواجب وظيفي نحوه، وإنما كشرط ضروري لخلق اقتصاد يلبي الحاجات الأدنى للدولة والشعب، وذلك لا يتوفر إلا بتمكين جميع أفراد الشعب عمالا وغير عمال من القدرة على تمويل تكاليف الصحة ورعاية الأطفال والأمهات وغيرهم من الطبقات الضعيفة ورعاية الشيوخ والمتقاعدين... إلى آخره.

 

في عالم اليوم وبسبب صعوبة تكاليف الحياة لم يعد بإمكان أي فرد أن يواجه لوحده التداعيات المالية المحتملة لتدهور صحته أو صحة أفراد أسرته وذويه أو احتمالية فقدان عمله أو عيشه بدون عمل وغير ذلك من المخاطر المالية المترتبة على الحالات الاجتماعية المعروفة.

 

ولم يعد أيضا بإمكان الدولة ترك العمال وأفراد الشعب جميعا لوحدهم يدبرون كيفما يشاؤون كيف يواجهون التداعيات المالية المترتبة على التدهور الصحي أو الوظيفي أو الأسري أو الحياتي بشكل عام، وذلك لأن مخاطر ذاك ستكون وخيمة على الأفراد، ومن ثم على الشعب ومن ثم على الدولة ومن ثم على الاقتصاد ككل.

 

حتى إن الميكانيزمات التقليدية للتأمين الاجتماعي ليست لها قيمة كبيرة لأنها عادة لا تأتي إلا متأخرة أو تكون ضئيلة مقارنة مع سعر التكلفة.

 

بناء على كل هذه الحقائق باتت الدول في جميع أنحاء العالم تخلق وتطور بشكل مستمر ما يسمى بنظام الحماية الاجتماعية الذي يتكون باختصار من نوعين:

- نظام تأمين اجتماعي تفرض الدولة بموجبه على الأفراد كل حسب قدرته مساهمة مالية يمكن جمعها من جميع الأفراد والمؤسسات من الحد من التداعيات المالية المترتبة على التطورات العشوائية للحالة الصحية والوظيفية والأسرية والحياتية بشكل عام.

 

- ونظام دعم اجتماعي تتكفل بموجبه الدولة التمويل الذي يمكن من درء نفس المخاطر لصالح الفئات الهشة وغير العاملة.

 

لكن يجب هنا أن يفرق غير المختص بين نظام الحماية الاجتماعية والصحية من جهة، والنظام الصحي والاجتماعي من جهة أخرى، فالأخير هو الذي يقدم الخدمات الصحية والاجتماعية للعمال والأسر وكافة أفراد الشعب، بينما الأول هو الذي يتولى جزئيا أو كليا التكلفة المالية للخدمات الصحية والاجتماعية عن العمال والأسر والأفراد المسجلين لديه.

 

طبعا، إن نظام الحماية الاجتماعية والصحية تكمن أهميته ليس فقط في مواجهة التكاليف المالية للمخاطر الصحية والاجتماعية بشكل جماعي بعد أن يجمع جميع المشاركات والدعم بدلا من أن يواجهها الأفراد لوحدهم فتؤدي بهم أحيانا للهلاك الصحي أو الوظيفي أو الحياتي، وإنما تمكن أهميته أيضا من أنه يمثل عنصر تمويل ثابت ومستقر للنظام الصحي والاجتماعي بدلا من اعتماده على القدرات غير المستقرة للأفراد.

 

نكتفي فقط بالمثالين الذين ذكرنا آنفا حول أهمية تكوين نظام حماية اجتماعي وصحي بالنسبة للدولة والأفراد والقطاع الصحي والاجتماعي وإلا لو بدأنا نذكر الفوائد للدولة والشعب لتكوين نظام حماية اجتماعية صلب ماليا ووظيفيا لاحتجنا لعدة مقالات في هذا المجال.

 

نأتي للحالة الوطنية بعد هذه المقدمة التي كانت ضرورية ليفهم القارئ أهمية تكوين نظام حماية اجتماعية وصحية، صلب ماليا ووظيفيا لاقتصاد البلد.

 

تماما، انطلاقا من هذه المسلمة التي حرص فخامة رئيس الجمهورية أن يرسخها في الأذهان منذ اليوم الأول لإعلان ترشحه، ومنذ اليوم الأول لاستلامه الحكم، والدليل على ذلك التعهدات في البرنامج الانتخابي بخصوص التأمين الصحي والحماية الاجتماعية، والدليل أيضا ما تم من إنجازات كبيرة في ميدان الحماية الاجتماعية، والتي ضاعفت بعدة مرات ما كان موجودا في هذا المجال بحيث أصبحنا بعد مايزيد على ثلاث سنوات أمام سلسلة من الإنجازات يعجز المرء عن حصرها، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

1. توسعة التأمين الصحي الإجباري بـ100 ألف أسرة، أي ما يعادل 620 ألف شخص، حيث أصبح بإمكانها الاستفادة من خدمات الصندوق الوطني للتأمين الصحي وبتمويل تام من الدولة، وتم كل ذلك من خلال عملية تأخذ في عين الاعتبار ضرورة المحافظة على الصلابة المالية للصندوق الوطني للتأمين الصحي.

 

2. إتاحة التأمين الصحي الإجباري لكثير من المواطنين ذووي الاحتياجات الخاصة هم وأسرهم وبتمويل تام من الدولة.

 

3. وصول الأسر المستفيدة من التحويلات النقدية الشهرية لما يقرب من 100 ألف أسرة.

 

4. تمويل الدولة بشكل تام لمجانية بعض الخدمات الصحية في المستشفيات مثل الحجز والأدوية بالانعاش والحالات المستعجلة.

 

5. خلق مؤسسة جديدة للتأمين الصحي التضامني ستفتح المجال أمام القطاع غير المصنف وستتحمل الدولة الجزء التمويلي الأكبر في هذا التأمين.

 

6. زيادة الإعانات العائلية الاجتماعية بـ66% ابتداء من يناير المقبل.

 

7. مضاعفة المعاشات للقطاع العام وزيادتها بأكثر من النصف في القطاع العام.

 

8. رفع سن التقاعد بثلاثة سنوات إضافية.

 

9. تعديلات قانونية رفعت الوعاء التمويلي لصندوق الضمان الاجتماعي ما مكنه وسيمكنه من تحسين خدماته الاجتماعية المختلفة للمؤمنين.

 

10.  زيادة الحد الأدنى للرواتب بـ50%

 

11. اكتتابات العمال وزيادات رواتبهم التي تمت ستمكن بشكل غير مباشر من تقوية الوضعية المالية لمؤسستي الضمان الصحي والاجتماعي مما سيمكنهما من تحسين واستمرارية الخدمات على المدى البعيد.

 

12.  تدخلات كثيرة في مجال الأمن الغذائي والكوارثي مكنت من دعم كثير من المواطنين وهي تدخل بشكل غير مباشر في نظام الحماية الاجتماعية.

 

13. إنشاء مؤسسة "تآزر"، والحرص الدائم على تقويتها ودعمها، مكن الدولة من خلق فاعل في إطار الحماية الاجتماعية التضامنية لا يقل قوة عن الفاعلين الآخرين في مجال الحماية الاجتماعية الإجباري، أي الصندوق الوطني للتأمين الصحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهذا مهم جدا لأنه كما ذكرنا في المقدمة نظام الحماية الاجتماعية يعتمد على رافعتين واحدة إجبارية والأخرى تضامنية، وبالتأكيد أيضا رافعة ثالثة اختيارية هي التي ستترسخ من خلال الإطلاق الفعلي لخدمات الصندوق الوطني للتأمين التضامني.

 

تلك النقاط الثلاثة عشر المذكورة أعلاه تبين بشكل مختصر ما تم من إنجازات ودينامكية وحيوية في مجال تأسيس نظام الحماية الاجتماعية والصحية أو ما أسماه فخامة رئيس الجمهورية في خطابه الأخير بمناسبة عيد الاستقلال بشبكة الأمان الاجتماعي.

 

أردت من هذه المقالة أن ألفت الانتباه لأهمية تكوين نظام حماية اجتماعية وصحية صلب ماديا ووظيفيا لتطور اقتصاد الدول وسلامة شعوبها، وأنه ليس أبدا من الترف أو الصدف، وإنما هو خيار حياة أو موت بالنسبة لعالم اليوم، لأنه يحفظ الأفراد من السقوط في مستنقع المرض والفقر والعوز والهشاشة، أي كل ما تسببه التداعيات المالية للتدهور الصحي والوظيفي والحياتي، وأنه لاسبيل لعلاج ذلك إلا بشكل جماعي منظم ومقونن من طرف الدولة، أي من خلال مؤسسات التأمين الاجتماعي والصحي ومؤسسات التضامن الاجتماعي، وهذا ما أردت أن أنبه أنه تم انجاز الكثير فيه في السنوات التي مضت من حكم فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

 

يوسف المهدي اجيد

 

2 December 2022