فوق قانون التعليم

تابعت كما تابع غيري مناقشة قانون التعليم الأخير وصدوره، وانقسام آراء التربويين والحقوقيين والسياسيين فيه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وهذا الانقسام لا يبشر بأن مشاكل التعليم قد حسمت، بل ينذر بأن العُقَد الرئيسة المزمنة في نظامنا التربوي لا تزال بعيدة عن الإجماع أو الحد الأدنى من الاتفاق الذي يجب أن تؤسس عليه. ومع أني لست مختصا في المجال إلى أنني استوقفتني ملاحظات ربما تكون فوق القانون نفسه.

 

1. في البداية أرجو من المتحمسين للقانون أن يدخروا بعض حماسهم فالرحلة لم تنته بعد، كما أطمئن مخالفيهم في الرأي بأن هذا لن يكون التعديل الأخير لنظام التعليم، لأن جل الألغام التي كانت في النظم التعليمية القديمة لا تزال موجودة وإن أزيح بعض منها من مكانه، واستبدل بعضها بمثله ولكن من نوع آخر.

 

2. لا بد من الانتباه إلى أن القانون ثمرة إرادة المجتمع المشتركة التي يعبر لها عن إرادته الملزمة، وليس أداة لهندسة المجتمعات، فاللغات والثقافات حقائق اجتماعية راسخة لا تخلق بقانون ومن المستحيل أن تلغى بآخر.

 

3. انشغل القانون وانشغل معه الناس بمسألة اللغة، وهي على أهميتها لا تغني عن التركيز على القضايا الحقيقة للتعليم، بدءا بتحسين حال المعلمين والأساتذة، مرورا بتطوير المناهج والوسائل، وانتهاء بتخريج خريجين بنسبة مقبولة، فنظامنا التعليمي – للأسف - لا يخرّج إلا نسبة تساوي نسبة الرسوب في غيره. ولا بد اعتماد نظام للجودة للتأكد من أن هؤلاء الخريجين في مستوى يؤهلهم لمواصلة تعليمهم الجامعي ومسيرتهم في الحياة باقتدار. وبدلا من إثقال كاهل الطلبة بمواد ولغات ثانوية ليست جاهزة للتدريس ولا نحن جاهزون لتدريسها ينبغي استثمار هذه الطاقات في تحسين أوضاع الأساتذة والطلبة.

 

4. أن ما هو مسطر في الدستور ومكتوب في القوانين لا يعبر بالضرورة عن الواقع المعيش، وعلينا أن نعترف جميعا - الآن على الأقل - بأن العربية وإن كانت اللغة الدستورية الرسمية فهي بعيدة كل البعد عن الرسمية في أرض الواقع.  ولكي يكون الواقع قانونيا لا بد أن يكون القانون واقعيا مطبقا أو قابلا للتطبيق.

 

5. أن وضع اللغة العربية مقابل اللغات الوطنية الثلاث ظلم للعربية وإجحاف بأخواتها، فكل لغات العالم تقيّم على معيارين أساسيين الأول: عدد متحدثيها، والثاني: مستوى الإنتاج المعرفي بها. والكل يدرك البون الشاسع بين لغة حضارية عالمية كالعربية، ولغات شفهية محلية كان ولا يزال الناطقون يبدعون ما أبدعوه بالعربية أو بالفرنسية في الغالب. والموازنة الصحيحة تقتضي جعل الحسانية قسيمة للغات الوطنية كالبولارية والسنوكية والولفية، لا مرادفة للعربية الفصحى، فهي مثل اللغات الوطنية في كونها لغة تواصل شفهي يكتب الناطقون بها ويبدعون بلغات أخرى.

 

6. لماذا لا نترك الحساسيات القومية والعرقية واللغوية جانبا ونرجع لأهل الاختصاص، ونقيس الأمور بمقاييسها الصحيحة ونتفق على الحد الأدنى من المتفق عليه بدل أن نترك أجيالا أخرى تضيع بين خطين متوازيين للتعليم. وما أرى أسهل من الاتفاق على اعتماد الفرنسية - صراحة ودون تردد - لغة رسمية لتعليم جمع المتعلمين، تضاف إليها نسختان مكثفتان من اللغة العربية الأولى للناطقين بالحسانية، والثانية للناطقين بغيرها، ويمكن اعتماد نفس النموذج مع التربية الإسلامية، ويضاف إليها ما يراه التربويون من لغات ومواد أخر. وقد رأيت بالفعل هذا النموذج مطبقا في المدارس الدولية التي تملأ الدنيا، ووجدت خريجيها من أكثر الطلبة علما ووعيا وانتماء للمجتمع.

 

أحمد يعقوب أحمد بزيد – أستاذ جامعي

 

8 September 2022