نص خطاب رئيس الحزب الحاكم المستقيل في افتتاح دورة استثنائية لمجلسه الوطني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين،

السادة أعضاء المجلس الوطني لحزبنا حزب الاتحاد من اجل الجمهورية،

نلتقي اليوم، في هذه المحطة المهمة من محطات مسيرة حزبنا المظفرة، وتاريخ بلدنا الحافل بالإنجازات والانتصارات، وهو اليوم يخطو بثقة وثبات نحو مستقبله الواعد، بانيا قواعد الحاضر المبهر، ومرمما أخطاء الماضي بروية، واقتدار وحصافة.

إنها فرصة لأتوجه بالتحية والشكر لكم أعضاء مجلسنا الوطني وكل الهيئات القيادية في حزبنا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، على ما بذلتم من جهد، وما نهضتم به من أعباء وطنية متنوعة طيلة الفترة الماضية، ومن دواعي سعادتي أن أتحدث اليوم أمامكم في هذه الدورة الاستثنائية لمجلسنا، والتي تأتي في لحظة هامة من تاريخنا الحديث برهنت على شجاعة وحكمة قائدنا فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أبى إلا أن تتجاوز موريتانيا كل العقبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية…، من خلال العمل الكبير الذي نفذته الحكومة لتطوير منظومتنا الاقتصادية وحماية ثرواتنا، وما عملت عليه أيضا في مجال تحسين معاش الفئات الهشة والرفع من مستوى فعاليتها وحضورها المشرف وسط مجتمع تحكمه المساواة والإنصاف، من خلال العمل على تجاوز النظرات الضيقة التي طالما عانت منها بعض فئات مجتمعنا، وكذلك تهيئة الأرضية السياسية من خلال إرساء جو من التهدئة المستوحى من برنامج فخامة رئيس الجمهورية والاستماع إلى جميع الأصوات والفعاليات السياسية والمدنية.

أيها الحضور الكريم،

إن دورة مجلسنا الوطني التي نفتتحها اليوم، موسومة بالاستثنائية، وهي فعلا كذلك، سواء في توقيتها، أو في محوريتها الحزبية، أو في الظرف الوطني الذي تنعقد فيه..إنها تنعقد في توقيت أخذ فيه قطار تعهدات فخامة رئيس الجمهورية سكة الإنجازات باقتدار وثقة، بعد أن جابه بكل حزم وعزم عواصف الإكراهات داخليا وخارجيا، والتي عصفت بدول وأنظمة وهزت اقتصادات قوية، وأدخلت بلدانا كبرى في أزمات عميقة.

لقد عمل حزبنا منذ مؤتمره الثاني العادي على توطيد وترسيخ العمل الحزبي المؤسسي، رغم العراقيل البنيوية الماثلة، وذلك لخلق مؤسسة سياسية كفيلة باحتضان برنامج “تعهداتي” الذي هو صمام أمان الموريتانيين جميعا في هذه الفترة من تاريخهم، وقد سعينا خلال هذه الفترة إلى تجسيد ذلك عن طريق العمل على تفعيل الهيئات وجعلها في وضعية تسمح لها بتأدية دورها الطبيعي الذي كلفها به مناضلونا عبر مختلف الاستحقاقات الحزبية، فأصبحت كل مقرات الحزب عبر التراب الوطني جاهزة للعمل لوجستيا، وانتظمت التحويلات النقدية الكفيلة باستمرار ذلك، كما أن التجهيزات الكفيلة بعمل لجان الحزب الوطنية تم توفيرها، ولم تعد هناك مشكلة تتعلق بالماء أو الكهرباء أو بتأجير المقرات وانتظام مخصصات هذه الهيئات.

ولعلكم واكبتمونا جميعا في مختلف النشاطات التي قام بها الحزب خلال سنتين ونصف، مثل الورشات الهامة والأولى من نوعها التي نفذها الحزب في نواكشوط وفي مختلف ولايات الوطن، حول “تعزيز الوحدة الوطنية والقضاء على كافة مخلفات الرق”، و”تموقع موريتانيا في شبه المنطقة”، و”تعزيز اللامركزية ودورها في التنمية المحلية”, و”الورشة التفاعلية حول الإعلام والاتصال بالحزب”، وغيرها من الورشات المبرمجة حول قضايا تشغيل الشباب والحكامة الاقتصادية وتطوير المنظومة التعليمية، وكذا النشاطات واللقاءات التي نظمتها قيادة الحزب مع مختلف هيئاته، وتلك التي نظمها الحزب مع هيئات وأحزاب سياسية صديقة عبر العالم.

بالإضافة إلى مواكبة زيارات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من أجل الإشراف على انطلاقة مشاريع تنموية هامة طالت مختلف جهات ومناطق الوطن، والهادفة إلى الاطلاع عن قرب على أحوال وهموم المواطنين، مع المواكبة الإعلامية الضرورية  لكل تلك القضايا وغيرها من النشاطات الحزبية في هذه المرحلة التي طبعها تفشي وباء كوفيد19 في بلادنا وفي العالم، وهو ما عرقل مختلف مناحي الحياة، وحد من النشاطات على مستوى الأصعدة، ومع ذلك لم يتوقف العمل الحزبي، في حدود ما تتيحه الإجراءات الاحترازية المحددة من طرف السلطات المختصة.

لقد احتضن حزبنا مختلف مراحل التشاور عن طريق حضوره الفعال في كل مفاصل العملية، منذ تأسيس منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان حتى الدخول في مرحلة تشكيل اللجنة المشرفة على هذا التشاور، مرورا بالعديد من المراحل التي عملنا خلالها بجد ومثابرة على جمع الطيف السياسي الوطني حول أهمية وضرورة تجاوز حقب من الاستقطاب والتنافر والدخول في مرحلة بناء الدولة على أسس أكثر صلابة ووفق ما حدده برنامج “تعهداتي” لفخامة رئيس الجمهورية، ولكن البعض في النهاية غلبت عليه أجنداته الخاصة وأراد أن يكون التشاور مجرد مطية لتحقيق تلك الأجندات، مما جعل اللجنة المشرفة على هذا التشاور تأخذ مبادرة توقيفه حتى تتسنى الظروف المناسبة لمواصلة مساره.

لقد قطعت بلادنا أشواطا كبيرة على درب التغيير نحو مستقبل أكثر أمانا ورفاها لشعبنا، وذلك منذ تسلم فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني مقاليد الأمور في البلد، حيث وقف بحزم وعزم ثابتين أمام كل الأخطار والتحديات الماثلة والمحتملة جراء الوباء، وتلك الموروثة من سنوات خلت من تسيير البلاد بطريقة لا تتناسب وطموحات الشعب ومصالح الدولة، تم خلالها تبديد أموال الشعب وعانى المواطن البسيط من التهميش والازدراء..

إن وقوف الدولة إلى جانب الضعفاء في فترة اشتداد الوباء وبعده، عن طريق التدخلات المختلفة وعبر البرامج الاجتماعية المتعددة، وتوسيع الاستفادة من برنامج التأمين الصحي لأكبر دليل على أن فخامة رئيس الجمهورية لن يترك أحدا على قارعة الطريق وأن صدقه مع الله ومع شعبه لن تثنيه الأراجيف ولا الأجندات الخاصة التي طالما حرص أصحابها فقط على تبني المصالح الضيقة..

لم تكن أيضا النجاحات الدبلوماسية التي حققتها بلادنا أخيرا إلا نتاجا لذلك الفكر المتقد والواعي لحقيقة وطبيعة الخرائط الجيو سياسية لمنطقتنا وللعالم، والذي برهن فخامة رئيس الجمهورية على أنه خليق بأن يؤتمن على مصالح شعب اختاره في انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة، وقد عبر الكثير من قادة العالم عن إعجابه بحكمة وتبصر هذا القائد وحرصه على مصلحة شعبه ومنطقتنا عموما..

لقد كانت حنكة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وطول نفسه، وبعد رؤيته، خير موجه للعمل في هذه الظروف الاستثنائية، حتى حقق وطننا ما يشبه المعجزة في التعاطي مع الجائحة، وفي الحد من تأثيراتها المختلفة على مختلف الصعد، اقتصادية، وصحية، واجتماعية، وأمنية ودبلوماسية…

أيها الحضور الكريم،

إن اجتماعنا اليوم استثنائي أيضا من حيث توقيته، فهو يأتي بعد ما يزيد على سنتين ونصف من انعقد المؤتمر الثاني للحزب، وقبل نحو سنة من الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجهوية والبلدية، والتي بدأت التحضيرات لها، لضمان تنظيمها بطريقة تلبي مستوى طموح وتطلعات شعبنا، وترفع من مكانة بنائنا الديمقراطي، وتزيد مستوى الثقة – الكبير أصلا – في مؤسساتنا، وفي نظامنا السياسي بشكل عام.

لكنه اجتماع طبيعي باعتبار السياق الحزبي العام، فهو يأتي بعد اكتمال البناء المؤسسي الداخلي، وإعادة الاعتبار للهيئات، والعمل على انتظام اجتماعاتها ودوراتها، وأخذ مسؤولياتها الحزبية سواء الوطني منها أو المحلي.

إن كسب هذا الرهان المؤسسي، والثقة في الهيئات هو بوابة النجاح الحزبي، وطريق الإصلاح السياسي بشكل عام، ذلك أن تمكن أكبر هيئة حزبية وسياسية في البلاد من بناء النموذج وإبرازه سيفرض على الآخرين الاقتداء به، واتباع سننه الرائد، وهو ما سوف ينعكس على المشهد بشكل عام.

حضورنا الأعزاء،

إننا نفاخر ونباهي بالثقة الكبيرة التي يحوزها حزبنا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لدى الشعب الموريتاني، باعتباره هو مصدر السلطة، ومنبع الثقة، والرافعة الأهم لأي مشروع سياسي ومجتمعي، فمن حاز ثقة الشعب، وتبادل معه الثقة كما فعلنا لن يعجزه تنفيذ برنامج البناء والتعمير، كما أننا نفاخر ونباهي بأن حزبنا، بقدر اتساع قواعده متنوع في مشاربه،  وبذلك يعكس بصدق حالة مجتمعنا في تنوعه وثرائه، ففي حزبنا تتبادل مختلف الأفكار وتناقش بهدوء كل الآراء وتتبادل التجارب باستمرار.

أيها الحضور الكريم،

لقد نجح حزبنا بعد مؤتمره الثاني العادي في بناء أنموذج سياسي وطني يجسد إرادة فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، وينفذ تعهداته في المجال السياسي، فتصدر الحزب الفعل السياسي بنضج ومسؤولية، وأعاد للساحة السياسية ألقها، وأسهم إلى حد كبير في نزع فتيل أزماتها التي استشرت على مر سنوات مضت، وعادت المياه لمجاريها بين مكونات مشهدنا الوطني، وبنيت جسور الثقة، وغابت – بحمد الله – لغة التخوين والتهديد والوعيد، وحلت محلها لغة الاختلاف باحترام، والتباين بتفهم، وهذا هو ما تعهد فخامته للموريتانيين بتجسيده، واقعا ملموسا، وقد فعل.

السادة والسيدات،

هذه محطة مهمة من محطات البناء الحزبي، وتجسيد قوة بناء المشروع السياسي والمجتمعي لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، ونحن واثقون أنها ستسهم كثيرا في بناء مستقبل موريتانيا، ومن مستقبل حزبنا بمرجعيته الوحيدة، ومشروعه المتماسك، ورؤيته الواضحة، وتجربته الثرية، وخطابه الهادي القوي المتزن، والذي يعتبر الفرقاء السياسيين شركاء في الوطن نختلف معهم ولكننا نحترمهم، وينظر للتعددية كظاهرة طبيعية، بل ضرورية لأي مشهد سياسي عادي.

إن كل تلك الإنجازات وغيرها يجعلنا في حزب الاتحاد من اجل الجمهورية مطالبون ومطالبون كثيرا بتجاوز ذواتنا وأجنداتنا الخاصة من أجل تقوية مؤسسة الحزب والحفاظ على مكتسباته السياسية والتنظيمية والتعاون مع قيادته الجديدة ليظل في مقدمة المشهد السياسي الوطني، منافحا عن برنامج “تعهداتي”، ومبلورا لخيارات جماهيره العريضة في التعلق بهذا البرنامج الرائد.

ولن يتسنى لنا ذلك إلا بتجاوز النظرات والانتماءات الضيقة والتخندق السلبي الذي يستنزف فقط مجهودات مؤسساتنا السياسية، بسبب طموحات فردية واصطفافات تثقل كاهله وتوسع من دائرة الاستقطاب بين فاعلينا ومناضلينا، وهو ما ينبغي تجاوزه من أجل توطيد علاقتكم بحزبكم وبهيئاته التي سيزداد عطاؤها مع قيادته الجديدة، والتي لا شك ستكون عند مستوى تطلعاتنا جميعا كمناضلين في الحزب، ينبغي بدورنا أن نكون على مستوى الآمال التي تعلق علينا..

أرجو لأعمالنا التوفيق والنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

 

3 July 2022