الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني: مبررات البقاء لمأمورية الثانية (2024 - 2029)

توطئة عامة:

بعد إعلان الجدول الزمني الخاص برئاسيات 2024 من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بات من الأهمية بمكان أن تتناول النخبة من مثقفين وخبراء واقتصاديين وكتاب وصناع رأي هذه الانتخابات المقبلة بالتحليل والنقاش من حيث الأهمية والتبعات والمرشحين المحتملين وبرامجهم وقدرتهم على النجاح والنهوض بالبلد ومنحه المكانة اللائقة به إقليميا ودوليا.. إلى آخره وذلك لكي يتمكن الشعب عامة والرأي العام خاصة من تشكيل وعيه واتخاذ قراره الانتخابي بناء على معلومات صحيحة وتحليلات سليمة مبنية على الخبرة والموضوعية والبحث عن المصلحة العامة.

 

إن هذا الدور النخبوي التوعوي لا غنى للبلد عنه خصوصا أن الانتخابات لم يعد يفصلنا عنها سوى ثلاثة أشهر، ولذلك أدعو ذوي الخبرة وأهل الرأي الحصيف والسياسة العلمية النافعة أن يكثفوا من القيام بدورهم التوعي في الأسابيع المقبلة ولا يتركوا المجال للهواة وغير المختصين وفاقدي المعلومة العلمية الصحيحة والخبرة الضرورية.

 

إذا كانت الانتخابات بكل أنواعها هي جوهر العملية الديمقراطية فإن الرئاسية منها بشكل خاص تكتسب أهمية كبيرة في نظامنا السياسي لأنها مرتبطة باختيار أرفع منصب في الدولة، باختيار رئيس للجمهورية الذي يطلق عليه الفقهاء الدستوريون من باب التعبير الرمزي في النظام شبه الرئاسي "le monarque républicain" أي الملك الجمهوري لماله من سلطات واسعة تضمن له تسيير البلد بعيدا عن عدم الاستقرار الحكومي كما يحدث غالبا في النظام البرلماني كابريطانيا مثلا وبعيدا كذلك عن أي تعطل محتمل للعمل الحكومي بسبب البرلمان كما يحدث أحيانا في النظام الرئاسي كأمريكا مثلا.

 

إن النظام شبه الرئاسي الذي هو مزيج بين النظامين تم ابتكاره من طرف الزعيم الفرنسي شارل ديغول وتطبيقه 1958 في فرنسا وتم تطبيقه في بلادنا بعد ذلك وأثبتت الأيام أنه أحسن نظام سياسي تم التوصل له حتى الأن بحيث يجمع بين فصل السلطات ودور تشريعي رقابي مهم وضروري للبرلمان وعدالة مستقلة وصحافة ناشطة وحريات عامة مصونة من جهة، وبين وجود قيادة واضحة للبلاد تتمثل في رئيس الجمهورية تعود لها الكلمة الأخيرة في جميع الأمور لكنها لا تتدخل في التفاصيل الصغيرة من جهة أخرى، وطبعا كل في ظل الدستور والقانون، وهذا أقرب لثقافتنا الإسلامية التي تجمع بين ضمان الشورى وتوفر سلطان يسير الدولة والمجتمع في ظل قوانينه ومرجعياته.

 

بناء على كل ما سبق نستنتج أهمية الانتخابات التي نحن بصددها، أهمية المنصب وأهمية جميع الأبعاد المرتبطة بذلك من التسجيل والتصويت والاختيار السليم والقيام بجميع الواجب الوطني في مثل هكذا استحقاقات.

 

حيثيات ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لانتخابات 2019:

قبل خمس سنوات، وبالتحديد فاتح مارس 2019 كانت البلاد على موعد مع إعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ترشيحه نفسه، بشكل شخصي وبعيد عن أي لافتة، لرئاسة الجمهورية وذلك في مهرجان سياسي في ملعب الشيخ بيديا، وجه من منصته خطابا مباشرا للشعب، للنخبة، للأفراد، للأحزاب، للتيارات.. تكلم لهم فيها بكل موضوعية وبكل طموح عن واقعهم وما ينتظرهم معه في السنوات المقبلة من مشاريع وإصلاحات وما يمليه عليه الواجب الوطني من ضرورة التقدم لأعلى مسؤولية في البلد رغم غناه عن ذلك، ورغم أنه لم يكن ذلك من اهتماماته سابقا لكن وضعية البلد سياسيا داخليا وخارجيا وما مربه سابقا من أحداث تفرض على رجل مثله يقف على نفس المسافة من الجميع ولديه خبرة طويلة في البلد أمنيا وعسكريا ولديه عمق روحي واجتماعي في كافة أجزاء الوطن... مكنته تلك الملكات كلها من معرفة تامة بالبلد وبالشعب وما يواجهه من تحديات.. فرجل يتمتع بهذه الصفات وفي ظروف للبلد معروفة آنذاك، من واجبه أن يرشح نفسه للشعب ولجميع قواه الحية، ليس من باب التطلع للمناصب ولكن من باب الاقتداء بالكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم، سيدنا يوسف عليه السلام حينما رشح نفسه لإدارة مصر لما علم من نفسه من صفات ستمكنه من علاج الأزمات ووضع الأسس لسنوات من الازدهار والتنمية.

 

وللتاريخ الناصع والخبرة والمواهب للمترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كانت الاستجابة كبيرة من طرف جميع فئات الشعب من أفراد وتجمعات وهيئات وأحزاب و.. إلى آخره، وذلك على مستوى جميع أنحاء التراب الوطني، وتمت تلك العلاقة بين المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني والشعب تنمو وتتعزز أينما حل وأينما ارتحل حتى تمت ترجمة كل ذلك الحراك والتناغم غير المسبوق في البلد بين الشعب والمترشح محمد ولد الشيخ الغزواني بنجاح تام ومن الشوط الأول في انتخابات 2019.

 

رئاسيات 2024، التاريخ يعيد نفسه وبدواعي أوضح:

دعونا الآن نناقش ما طرأ خلال السنوات الخمسة المنصرمة (2019 - 2024) وما تغير خلالها وما لم يتغير، وما هو قيد التغيير، وما هو متطلع لتغييره لنربط الأمر بما هو مطلوب في الخمسية المقبلة (2024 - 2029).

- لنبدأ بالمستوى الشخصي لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني فمن الأسباب الأولى التي كانت الدافع الرئيسي لالتحام الشعب وقواه الحية بالرئيس 2019 هو ابتعاده التام عن صراعات الأشخاص والفئات ووقوفه على نفس المسافة من الجميع وتمتعه بالأخلاق الحسنة واهتمامه فقط بالجانب العملي والواجب المهني وابتعاده عن سفاسف الأمور ودنايا المقاصد، وذلك طيلة مساره الوظيفي فهل تغير شيء في ذلك الأمر طيلة السنوات الخمسة الماضية؟ أبدا بل بالعكس، الصفات الشخصية الآنفة الذكر لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أعادت وأحيت الدور المنوط برئيس الجمهورية في النظام شبه الرئاسي الذي تحدثنا عنه في التوطئة حيث يتعامل مع الجميع موالاة ومعارضة ولا يتدخل في التفاصيل الصغيرة ويراقب جميع الأمور بطريقة استراتجية وليس بطريقة شخصانية ويترك للهيئات المختلفة الهامش الضروري من الصلاحيات والحريات لكن يتدخل عند الضرورة ليكافئ أو يعاقب أو يضع حدا للخارجين على القانون إلى آخر ذلك من معاملات رسخها رئيس الجمهورية طيلة الخمسية الفارطة في إدارته للشأن العام أعادت لمنصب رئيس الجمهورية رمزيته وأبويته المطلوبة في النظام شبه الرئاسي، وهذه النقطة هي محل إجماع من طريف الجميع الموالي أو المعارض، المتعاطف أو غير التعاطف، الراضي أو الغاضب... إلى آخره.

 

- نأتي لنقطة ثانية مرتبطة بالنقطة الأولى، وهي أن شخصية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني شكلت 2019 نقطة لقاء وإجماع بشكل غير مسبوق في تاريخ البلد بين جميع فئات الشعب، السياسي وغير السياسي، النخبوي والعامي، المدني أو العسكري، الموالي أو المعارض، الإسلامي واليساري، القومي بجميع الفئات، الجهوي بجميع الفئات.. إلى آخره ، يعني كان الأمر التحام حقيقي وغير مصطنع بين الشعب بجميع مكوناته والنخبة بجميع تناقضاتها مع المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني فهل تغير الآن الأمر بعد خمس سنوات من العمل الدؤوب لصالح البلاد والعباد ومن احترام الجميع وفتح الباب أمام الجميع وبعد ثناء الجميع، طبعا بعد نهج طريق العمل الإصلاحي بعيدا عن الشخصانية والصخب والتركيز على المفيد والنافع والتصدي لأي محاولة تعيد الأمور للوراء أو تهدد السلم والأمن سينتج عن ذلك أصوات قليلة تناقض نفسها بنفسها بعد أن أثنت واعترفت بالتقدم الحاصل لكن في كل الأحوال الشعوب والنخبة الملتفة حول قائدها لا تخلوا من أصوات قليلة نشاز بعد أن تتيقن من أنها مثل الجميع لن تنال إلا ما تستحق أو لن تترك دون عقاب إن هي فعلت ما لا يمكن الصبر عليه استراتجيا وعمليا وبالتالي الإجماع حول شخصية الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ما زال قائما سنة 2024 بل إنه تعزز وصلب عوده، الجديد فقط فيه أنه تمت تنقيته من ما هو ليس ضروري ومناف لروح المشروع الإصلاحي لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي التفت حوله الأغلبية الساحقة من الشعب والنخبة.

 

البعد الثالث الذي سنناقش وهو نقاش الحصيلة خلال السنوات المنصرمة وسنوضح ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، عبر النقاط التالية:

- هذه السنوات الخمسة كانت سنوات من العمل المتواصل في كافة المجالات فمنذ اللحظة الأولى بدأت الدولة بمختلف أجهزتها وبتعليمات من فخامة رئيس الجمهورية بالتسيير السليم لممتلكات الدول وحسابتها العمومية حتى عادت للدولة صلابتها المالية وقوتها الاقتصادية مما مكنها بفضل الله سبحانه وتعالى من مواجهة أزمة كارونا بكل فعالية وتوفيق والعبور بالبلاد لبر الأمان رغم صعوبة تلك الأزمة الصحية العالمية وما نتج عنها من صعوبات اجتماعية واقتصادية وحياتية، لكن بفضل الله سبحانه وتعالى أولا ثم السياسة الرشيدة التي رسمها رئيس الجمهورية للبلد آنذاك داخليا وخارجيا تمكنت بلادنا من عبور أزمة كورونا بأقل الخسائر وأقل التضحيات رغم أنها كادت أن تطيح بمجتمعات ودول أخرى.

 

- إن أزمة كورونا رغم شدتها عالميا وإقليميا ووطنيا ورغم ما سببته من تحديات للعالم أجمع وليس فقط بلادنا بحيث كاد قطار الحياة اليومي يتوقف بسببها حتى كان الشغل الشاغل للعالم أجمع هو الخروج منها بسلامة فرغم كل ذلك بلادنا لم تخرج منها فقط بسلامة بل خرجت وقد حولتها لفرصة أنشأت خلالها نظاما صحيا حقيقيا ضاعف من قدرة جميع المنشآت الصحية اللوجستية والطبية ومن خبرة الأطباء وجميع العاملين في القطاع الصحي.

 

- رغم جسامة أزمة كورونا وطول مدتها فإن المشاريع السابقة والموازية واللاحقة لم تتوقف فعلى سبيل المثال لا الحصر تم إنشاء مؤسسة تآزر تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة تعنى بغذاء وتعليم وصحة وعمل وثقافة الفئات الهشة والضعيفة وشبه معدومة الدخل وذلك لوعي رئيس الجمهورية بأن ترك هذه الفئات جميعها أو بعضها لعوادي الزمن امر خطير على الأمن القومي والمجتمعي، إن إنشاء مؤسسة "تآزر"، والحرص الدائم على تقويتها ودعمها، مكن الدولة من خلق فاعل قوي في إطار الحماية الاجتماعية التضامنية ولقد قامت هذه المؤسسة بتدخلات كثيرة دائمة أو مناسباتية لصالح الفئات المعنية وذلك على مستوى كافة التراب الوطني.

 

- تبعا لذلك تمت توسعة التأمين الصحي الإجباري بـ100 ألف أسرة، أي ما يعادل 620 ألف شخص، حيث أصبح بإمكانها الاستفادة من خدمات الصندوق الوطني للتأمين الصحي وبتمويل تام من الدولة،

 

- وتمت إتاحة التأمين الصحي الإجباري لكثير من المواطنين ذوي الاحتياجات الخاصة هم وأسرهم وبتمويل تام من الدولة، ولقد وصل عدد الأسر المستفيدة من التحويلات النقدية الشهرية لما يقرب من 100 ألف أسرة ومولت الدولة بشكل تام مجانية بعض الخدمات الصحية في المستشفيات مثل الحجز والأدوية بالإنعاش والحالات المستعجلة.

 

- تم خلق مؤسسة جديدة للتأمين الصحي التضامني فتحت المجال أمام القطاع غير المصنف وتتحمل الدولة الجزء التمويلي الأكبر في هذا التأمين وتمت زيادة الإعانات العائلية الاجتماعية بـ66%، ومضاعفة المعاشات للبعض وزيادتها بأكثر من النصف للبعض الآخر، ورفع سن التقاعد بثلاثة سنوات إضافية وزيادة الحد الأدنى للرواتب بـ50%.

 

- المدرسة الجمهورية التي انطلق قطارها وصار حقيقة بعد أن كان حلما وسيصل عن ما قريب للمستوى السادس ليمكن الدولة من إعادة تعميم التعليم الابتدائي بشكل كامل بحيث سيستعيد قوته ودوره العلمي والتربوي والوطني وذلك للجميع.

 

- لقد تم اختيار مناطق صالحة لزراعة الأساس من المواد الغذائية والخضروات والفواكه بحيث ساهم ذلك في قطع خطوات كبيرة على مستوى تامين الاكتفاء الذاتي على المدى المتوسط وتم ايضا اختيار مناطق لتعميق وتحسين طرق التنمية الحيوانية في البلد.

 

- في نواكشوط وفي المدن الداخلية وما بينهم تم تعبيد وترميم الكثير من الطرق وربط كثير من المناطق ببعضها البعض، وتم إكمال إنشاء جسر تآزر وقطعت خطوات كبيرة في إنشاء جسري مدريد والحي الساكن إلى غير ذلك من الإنجازات الكبيرة في هذا المجال.

 

- تمت مضاعفة الميزانية وأعيد للدولة قوتها المالية والمحاسبية والتسبيرية والضريبية والنقدية وانعكس ذلك على انسيابية المشاريع الكبرى وتدخلات الدولة الاقتصادية والمالية في جميع المجالات الحيوية لصالح البلاد والعباد.

 

- في المجال الدبلوماسي والعلاقات الخارجية مكنت العلاقات الواسعة لفخامة الرئيس والثقة التي يتمتع بها لدى الشركاء الاقليمين والدوليين من تطوير علاقات بلادنا بجميع الدول وجميع المنظمات مما انعكس إيجابا لمصلحة بلادنا السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية.

 

- في الخمسية المنصرمة تم القيام بكثير من الإصلاحات التشريعية والقانونية منها ما يتعلق بالجاليات الوطنية في الخارج وحقوقهم ودورهم المطلوب اتجاه الوطن، ومنها ما يتعلق بتنظيم بعض الأمور الاقتصادية والحياتية للمواطنين.. إلخ..

 

الخلاصة حول ترشح وانتخاب رئيس الجمهورية 2024

إن الأسباب والمبررات التي جعلت جميع فئات الشعب وقواه الحية تلتف حول المترشح محمد ولد الشيخ الغزواني 2019 حتى أوصلته لمنصب رئاسة الجمهورية، المعنوي منها ما زال قائما بل ترسخ أكثر في 2024، والمادي منها تطور وتحسن بفعل الحصيلة الإيجابية على كافة الأصعدة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال الخمسية المنصرمة، وبناء على ذلك، وبناء على أن الظرفية الإقليمية والدولية والوطنية وما تفرضه من تحديات تتطلب أكثر من أي وقت مضى رئيسا مثل محمد ولد الشيخ الغزواني لأنه وحده من يتمتع بالرمزية والأبوية ويشكل قاسما مشتركا بالنسبة لجميع فئات الشعب وقواه الحية ويتمتع أيضا بثقة الأطراف الإقليمية والدولية والوطنية وله حصيلة مشرفة خلال مأموريته الأولى رغم ما واجهه من تحديات جسيمة ولأته مازال له أيضا الكثير من المشاريع التي هي قيد الإنجاز أو ما زالت على مستوى التخطيط سيتطلب إنجازها وتكميلها الخمسية المقبلة.

 

بناء على كل ذلك، فإني متأكد أن إجماع الشعب وقواه الحية والتحامهما بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني هذه المرة في 2024 سيكون أشد وأقوى مما حصل سنة 2019 رغم قوته آنذاك، وستظهر مدى قوة العلاقة بين الشعب والقائد محمد ولد الشيخ الغزواني طيلة الحملة الرئاسية وستظل تلك العلاقة تبرهن وتوضح للجميع كلما دعت لذلك الضرورة حتى انتخاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في انتخابات يونيو 2024 ليواصل مسيرة البناء والنهوض بموريتانيا وشعبها بكافة أطيافه.

 

الخبير الإكتواري يوسف ولد المهدي ولد اجيد

 

25 March 2024