أطفال شمامه في اترارزة.. رعاة في مقتبل العمر (تقرير)

تعتبر منطقة شمامه (السهل الممتد بمحاذاة النهر السنغالي) من أقل مناطق الوطن استفادة من خدمة التعليم، حيث تنتشر الأمية والجهل بين جل سكانها ويتراجع عدد الأطفال المتمدرسين فيها إلى درجة تنذر بالخطر وتدعو إلى القلق.

 

ويقول القائمون على التعليم في ولاية اترارزه إنهم يجدون صعوبة كبيرة في تغطية ما يعرف بـ "مثلث شمامه" نظرا لعزوف المدرسين عنه، نتيجة لصعوبة التأقلم مع بيئة المنطقة، الأمر الذي دفع بكثير منهم إلى الاختفاء أوترك مهنة التدريس، وهو ما جعل بعض المتابعين يطالب وزارة التهذيب المعنية بمنح المدرسين في شمامه علاوات تحفيزية حتى يتمكنوا من تغطية المنطقة كلها.

 

عزوف الآباء..

من الأمور التي ضاعفت من معاناة أطفال شمامه وجعلتهم يتركون مقاعد الدراسة في سن مبكرة جدا عزوف الآباء عن تدريس أبنائهم أو منعهم بالقوة ـ أحيانا ـ من متابعة الدراسة وإرغامهم على مزاولة أعمال تكبرهم سنا وتتجاوز طاقاتهم وقدراتهم المتواضعة.

 

محمد بيل (12 سنة) وعمر إفرا (8 سنوات) يرعيان قطيعا من البقر ويتتبعان به مواطن العشب والكلإ في أدغال شمامه في سنة بدأت نذر الجفاف فيها تلوح في الأفق.

 

يعتبر محمد نفسه المسؤول الأول عن رعاية القطيع والاهتمام بمصلحته ، ويرى أن عمر مجرد معين له في مهنته التي نشأ عليها، فلم يسمح له بالتدخل في الحديث وطرده في إثر البقر حتى لا يتفرق في سهول شمامه الواسعة وتولى هو الرد على أسئلة "لكوارب".

 

يقول محمد إنه لا يقرأ ولا يكتب ولم يذهب إلى المدرسة في عمره وإنما يمتهن رعاية بقر أهله منذ سنواته الأولى، ويحس بسعادة كبيرة في تتبع قطيع البقر ورعايته، رغم أنه ينظر إلى المدرسة بإيجابية ويود لو انتسب إليها، ولكن أباه ـ حسب قوله ـ هو من يمنعه من الانتساب إليها مفضلا رعايته لقطيع الأسرة الذي هو مصدر دخلها الوحيد.

 

عمل ودراسة..

يرى المتابعون لوضعية الأطفال في منطقة شمامه أن من أحسن أطفال المنطقة حظا الذين استطاعوا أن يجمعوا بين العمل والدراسة، لأن عمل الأطفال أصبح عرفا سائدا ومتحكما في عقلية الأهل ولا مناص منه، فهو عادة دأبوا عليها كابرا عن كابر.

 

ألفا هماد (10 سنوات) راعي بقر يدرس في السنة الأولى ابتدائية ، وهو واحد من أطفال قلة استطاعوا أن يقتطعوا من أوقاتهم جزءا من الوقت يذهبون فيه إلى قاعة الدرس ولو لفترة وجيزة.

 

يقول ألفا في حديث لـ "لكوارب" إنه يفضل الدراسة على رعي البقر ويدرك قيمتها الكبيرة، ولعل ذلك ما دفعه إلى الصبر على السير مسافات طويلة يوميا حتى يصل إلى المدرسة التي تبعد من حيه عدة كيلومترات.

 

ويؤكد ألفا أنه لم يذهب يوما إلى الكتاتيب ولم يستفد من الدراسة التمهيدية التي يمر بها كل أقرانه في المناطق الأخرى، مضيفا "أبي يرغمني على رعي البقر ليستريح هو ويتفرغ لشرب الشاي في الحي".

 

ولا تزال الطفلة اندي امبود (12 سنة) تصر على متابعة الدراسة رغم مزاولتها مهنة بيع النعناع لأصحاب السيارات المارة على طريق روصو ـ بوكي، وقد وصلت إلى السنة الرابعة من التعليم الأساسي.

 

وتقول اندي امبود إن أمها أمرتها ببيع النعناع في أوقات الفراغ خارج الدرس حتى تعينها في تحمل أعباء نفقة الأسرة، وهي تبدو مرتاحة ومعتادة على الجمع بين العمل والدراسة.

 

أسبـاب..

يرجع كثير من المراقبين تدني مستوى التعليم وعدم تمدرس الأطفال في منطقة شمامه إلى أسباب عدة، من أبرزها عدم توعية السكان وتثقيفهم حول أهمية التعلم وضرورة تدريس الأطفال، إضافة إلى الفقر المدقع الذي يخيم على جل ساكنة المنطقة ويرغمهم على تشغيل الأطفال وهم في مقتبل العمر.

 

كما أن اعتماد أكثر السكان على الزراعة والتنمية الحيوانية وما تحتاجه هاتان المهنتان من وقت وجهد جعل جميع أفراد العائلة ـ بما فيهم الصغار ـ يتقاسمون الأدوار ويزاولون أعمالا عجز عن تحملها الكبار ، ولم يبق لديهم وقت للتعلم، فقد شغلهم البحث عن لقمة العيش وأصبح شغلهم الشاغل الحصول عليها. 

 

21 March 2024