اتفاق الهجرة بين موريتانيا وأوروبا.. قلق شعبي وتطمين حكومي

جدل واسع في موريتانيا على خلفية اتفاق أبرمته نواكشوط مع الاتحاد الأوروبي وإسبانيا بشأن الهجرة غير النظامية، وسط مخاوف من أن يكون "صفقة توطين للمهاجرين في موريتانيا"، ما دفع بحكومة البلاد للنفي لتبديد تلك المخاوف.

 

وفي 8 فبراير/ شباط الجاري أجرى وفد أوروبي يضم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، زيارة إلى نواكشوط، وقعا في ختامها اتفاقات في مجال التصدي للهجرة غير النظامية مع الحكومة الموريتانية.

 

وفي ختام الزيارة أعلن المسؤولان الأوروبيان عن تقديم مساعدات بقيمة 522 مليون يورو لموريتانيا لتعزيز تنميتها الاقتصادية، والتصدي للهجرة غير النظامية.

 

وقال سانشيز إن "إسبانيا ستخصص 312 مليون يورو لموريتانيا في السنوات المقبلة".

 

بينما كشفت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي "سيمنح نواكشوط أكثر من 210 ملايين يورو، لمساعدتها في إدارة الهجرة ودعم اللاجئين".

 

"صفقة توطين"

إلا أن هذه الصفقة أثارت جدلا واسعا في موريتانيا بعد أيام من توقيعها، إذ اعتبرها البعض محاولة من الاتحاد الأوروبي لتوطين المهاجرين الأفارقة في موريتانيا.

 

وحذر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من أن "توطين المهاجرين غير النظاميين بشكل مؤقت قد يكون بداية استقرار نهائي للهاربين من جحيم المحيط المتوتر".

 

وفي هذا السياق، تساءل الإعلامي الموريتاني، حبيب الله أحمد: "هل يعقل أن الحكومة الموريتانية أخذت الأموال الأوروبية مقابل توطين آلاف المهاجرين الأفارقة وفرملة أحلامهم بالعبور نحو فردوسهم المفقود في أوروبا أو لاحتضانهم عندما ترحلهم قسريا دول الاتحاد الأوروبي؟".

 

وحذر الإعلامي الموريتاني في مقال عبر حسابه على فيسبوك، من مخاطر أي محاولة لتوطين المهاجرين الأفارقة في موريتانيا.

 

واعتبر أن ذلك "سيغير الخارطة الديموغرافية، كما سيشكل عبئا على خزينة الدولة، وشيئا فشيئا سيتحولون إلى أزمة اجتماعية واقتصادية مدمرة لمستقبل البلاد".

 

ولفت إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد، كان قد رفض بشدة "إغراق بلاده بالمهاجرين الأفارقة واعتبر أن دفعهم من أوروبا باتجاه دول المغرب العربي مخطط وأجندة واضحة تهدف لتغيير المعطيات الديموغرافية في تلك الدول، وزرع قنابل اجتماعية قد يتم تفجيرها في أية لحظة".

 

وسبق أن أعلنت المفوضية الأوروبية في سبتمبر/ أيلول 2023 تخصيص 127 مليون يورو مساعدات لتونس، تندرج ضمن بنود مذكرة التفاهم الموقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، جزء منها للحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.

 

وسبق أن أكدت تونس، التي تعلن بوتيرة أسبوعية إحباط محاولات هجرة إلى سواحل أوروبا، مرارا رفضها "توطين المهاجرين غير النظاميين على أراضيها".

 

بدوره، رأى الإعلامي أحمد ولد محمد، في حديثه للأناضول أن "ما يجري الحديث عنه من خطة لتوطين المهاجرين الأفارقة بموريتانيا أمر في غاية الخطورة، نتطلع لبيان حكومي يوضح تفاصيل الصفقة مع الأوروبيين ويطمئن الشارع الموريتاني بهذا الخصوص".

 

فيما قال المواطن أحمد ولد سيد الأمين في حديثه للأناضول: "توطين المهاجرين ستكون له تداعيات كبيرة، نحن بلد مقبل على تصدير الغاز وهذا سيغري كثيرين للبقاء في موريتانيا، وبالتالي يجب أن تكون هناك خطة واضحة للتعامل مع المهاجرين غير النظاميين".

 

تطمين حكومي

ومع تصاعد السجال بشأن الصفقة الأوروبية مع موريتانيا في مجال الهجرة غير النظامية، نفى وكيل وزارة الداخلية الموريتانية محفوظ ولد إبراهيم، أن تكون هناك أي مساع لتوطين المهاجرين غير النظاميين.

 

وشدد في مقابلة مع الإذاعة الرسمية في 13 فبراير الجاري أن موريتانيا "لن تكون وطنا بديلا للمهاجرين غير النظاميين، وأن الشركاء الأوروبيين لا يجرؤون على طرح هذا الطلب".

 

وأضاف: "الحكومة الموريتانية لم ولن تقبل ولم تناقش أصلاً أي موضوع يتعلق باحتضان موريتانيا مهاجرين أجانب، يتم ترحيلهم إليها من إسبانيا أو من أي بلد أوروبي".

 

وجهة لآلاف المهاجرين

وتعتبر موريتانيا معبرا رئيسيا للمهاجرين الأفارقة، إذ تحولت مدينة نواذيبو (أقصى الغرب) خلال السنوات الأخيرة إلى وجهة مفضلة للراغبين في العبور إلى أوروبا والولايات المتحدة.

 

لكن الوزير المكلف بالموريتانيين في الخارج محمد يحيى السعيد، قال إن موريتانيا لم تعد مجرد بلد عبور نحو وجهات أخرى "بل أصبحت وجهة نهائية لمئات الآلاف من المهاجرين من جنسيات مختلفة".

 

جاء ذلك في كلمة له يوم 13 فبراير الجاري خلال افتتاحه مؤتمرا دوليا في نواكشوط حول الهجرة غير النظامية منظم بالتعاون بين الحكومتين الموريتانية والأمريكية.

 

وأشار الوزير إلى أن المهاجرين "يعيشون في المراكز الحضرية، بما يمثله ذلك من عبء اقتصادي واجتماعي".

 

وأكد أن موريتانيا تتحمل "عبئا كبيرا بسبب تدفق المهاجرين إلى أراضيها والذي تتسبب فيه في المقام الأول الوضعية الأمنية المعقدة والحسّاسة في المنطقة".

 

نزوح مستمر

وتقول الحكومة إن حركة نزوح اللاجئين من دول الساحل الإفريقي وخاصة مالي نحو الأراضي الموريتانية مستمرة، وإن البلاد تستضيف حاليا أكثر 150 ألف لاجئي من مالي غالبيتهم يعيشون في مخيم امبره شرق البلاد.

 

وفي تصريح صحفي منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، أرجع وزير الاقتصاد الموريتاني عبد السلام محمد صالح، تزايد أعداد اللاجئين من دول الساحل نحو موريتانيا إلى "عدم الاستقرار السياسي والمخاطر الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل (الإفريقي)".

 

ووجه الوزير الموريتاني خلال الاجتماع نداء إلى المجتمع الدولي من "أجل دعم التضامن والتعاون الدوليين حتى يظل اللاجئون يتمتعون بالحماية، وحتى لا تكون الأعداد الجديدة، سببا في تراجع المكاسب المحققة في مجال التنمية المستدامة".

 

ويتدفق اللاجئون الماليون إلى موريتانيا منذ عام 2012، على خلفية الأزمة الأمنية التي شهدتها مناطق شمال مالي، ولا سيما مدينة تمبكتو التاريخية، التي بسط تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" سيطرته عليها آنذاك.

 

ورغم إعلان مالي استعدادها لاستقبال هؤلاء اللاجئين مجددا على أرضها، إلا أن غالبيتهم يرفضون العودة إلى بلادهم بحجة عدم استقرار الأوضاع، وتردي الظروف الأمنية والمعيشية.

الأناضول

 

19 February 2024