انتصار بطعم الهزيمة.. من أين جاء مئات المصوتين في بلدية روصو؟ "تحليل إخباري"

كشفت نتائج انتخابات الـ 13 مايو على مستوى بلدية روصو عن اخفاق حزب "الإنصاف" الحاكم في الحصول على أغلبية مطلقة تمكنه من تسيير البلدية بشكل مريح، في حين شكلت النتائج صدمة لبعض المتابعين وسكان المدينة.

 

وأعتبر عدد من المتابعين أن النتائج لم تكن متوقعة، ورغم ما حصل فإنها كشفت عن مرحلة صعبة تنتظر بلدية روصو بسبب فشل الحزب الحاكم في الحصول على أغلبية المستشارين.

 

وأثيرت عدة تساؤلات عن تأثير "تهجير الناخبين" على النتائج التي نشرتها لجنة الانتخابات بعد اكتمال الفرز في المكاتب الـ 62 على مستوى البلدية.

 

تهجير الناخبين..

وقد أثار عدد من المرشحين أسباب ضعف المشاركة، والتأثير المتوقع للضغوط التي مارستها عدة مؤسسات تابعة للدولة، على النتائج التي أفرزها اقتراع السبت الماضي.

 

وتعيد "وكالة أنباء لكوارب" قراءة بعض المعطيات التي تحاول الإجابة على السؤال الكبير "من أين جاء مئات المصوتين في بلدية روصو؟".

 

في مقر "صونادير" مزارعون يتعهدون بتسجيل 2000 ناخب..

في يوم 27 فبراير 2023، نشر موقع "الضفة" خبرا يفيد أن حزب "الانصاف" "طلب من رجال الأعمال المستثمرين في المجال الزراعي بولاية اترارزة تسجيل ألفي ناخب عى اللائحة الانتخابية في روصو".

 

وحسب المصادر فإن "الطلب جاء إثر اجتماع سابق ضم مسؤولين في وزارة الزراعة في مقر شركة صونادير بروصو مع المستثمرين".

 

و"خرج المجتمعون باقتراح تعهد فيه 40 مزارعا أن يسجل كل منهم 50 ناخباً على أن يتابع معه عملية التسجيل حتى يوم الاقتراع".

 

و"برر الحزب طلبه للمزارعين بخشيته من ضعف شعبيته في مدينة روصو والتي توقع أن تصل لائحتهاالانتخابية إلى 9 آلاف ناخب".

 

"وكانت شرطة روصو قد أوقفت الأسبوع الماضي عشرات الأشخاص في المدينة بتهمة “شراء الأوصال” من أمام المكاتب بعد تسريب مقاطع مصورة توثق أشخاصا يدفعون مبالغ مالية مقابل وصل بالتسجيل على اللائحة الانتخابية في مكتب بالكلم 7 شمالي روصو"، انتهى الاستشهاد.

 

تعيين "مدير صونادير" منسقا لحملة "الإنصاف"

ويأتي نشر هذا الخبر قبل اختيار الحزب لمرشحيه في الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، وبعد حوالي شهرين من كتابته، عين حزب "الإنصاف" المدير العام لشركة "صونادير" أمم ولد أحماه الله، منسقا له على مستوى ولاية اترارزة، وهو ما يكشف أن الأمر كان مدبرا منذ فترة، حسب عدد من المتابعين.

 

ويبرهنون على ذلك بما نشره موقع "الضفه" عن حملة ممنهجة وضغوط مارستها شركة "صونادير" على رجال الأعمال من أجل تسجيل عدد معتبر من الناخبين.

 

ومع انتهاء فترة الترشيحات، أكدت قيادة حزب "الإنصاف" تعيين المدير العام لشركة الاستصلاح الريفي "صونادير"، منسقا لحملة الحزب في مقاطعة روصو.

 

اعتراف آخر بتسجيل "ناخبين جدد"..

موقع "الجنوب" نشر خبرا قبل أيام تحت عنوان "روصو: العميد ولد احمدوا كان فاعلا بقوة في الإنتخابات".

 

وجاء في التفاصيل "سجل على جميع المستويات ما قام به العميد عبد الله السالم ولد احمدوا من جهود لصالح مرشحي الإنصاف؛ سواء تعلق الأمر بالتسجيل، حيث سجل 1150 في مكاتب روصو1، والكلم10، و6، وتابع مع هذه المجموعات حتى تأكد من تصويتها وأقام مكاتب متابعة وإيواء لها".

 

وأضاف الموقع "كما يسجل له أنه قام بهذا الجهد للحزب فلم يكن طالبا لأي منصب انتخابي وإنما كان منتصرا لولايته وهو من المستثمرين فيها في الزراعة وتصنيع الأرز وتشيبد المنازل والشقق". انتهى الاستشهاد.

 

ومعروف أن هذا النوع من "الأخبار" عادة ما ينشر بالتنسيق مع الشخص المعني، نتيجة للمعلومات الدقيقة التي تتعلق بـ "تسجيل ناخبين" تم تحديد عددهم والمكاتب التي سجلوا فيها.

 

ويقول أحد الصحفيين إن هذه الوضعية تطرح أكثر من علامة استفهام، فلا يمكن أن يكون الأشخاص الذين تم الحديث عن تسجيلهم ينتمون "سكنيا وانتخابيا" لبلدية روصو، وإلا فما الجديد في الأمر بالنسبة للذين افتخروا بذلك، وللذين ضغطوا من أجله، فالأصل هو أن يسجل أهل روصو في مكاتب المدينة.

 

الجمارك.. ضغوط وتدخل من نوع آخر..

انتقد عدد واسع من المرشحين للانتخابات تدخل قطاع الجمارك في روصو، وهو التدخل الذي وقع على رؤوس الأشهاد، وكان معروفا لدى الجميع من خلال مقر حملتهم الذي احتضن عدد من السهرات الانتخابية، تمت غالبيتها بحضور قيادات ورموز الجمارك في روصو.

 

كما تحدث مرشح "الصواب" للنيابيات عن وجود سيارات للجمارك تستخدمها حملة "الإنصاف" بعد نزع لافتاتها.

 

ورصد موفد "وكالة أنباء لكوارب" ضغوطا يمارسها عدد من "الموردين"، على الناخبين خلال انتظامهم في صفوف أمام مكاتب التصويت التابعة للجمارك، والتي سجل فيها مئات "المهجرين".

 

كما أكد وكيل لوائح حزب "تواصل" مساء السبت لموفد "لكوارب" أمام مكتب الجمارك، أن قائد الحرس في روصو، جاء إلى مكتب الجمارك وأمر الحرس بالسماح لكافة الموجودين خارج الطابور بالدخول من أجل التصويت، رغم انتهاء الوقت القانوني لعمليات التصويت.

 

وحسب نفس التصريح فقد "برر قائد الحرس في روصو قراره بكونه يأتي تطبيقا لأوامر رئيس فرع لجنة الانتخابات بالمقاطعة".

 

وأضاف "حين اتصلنا برئيس اللجنة نفى الأمر بشدة، مستنكرا هذا التصرف، ومؤكدا مخالفته الصريحة للقانون".

 

انتصار بطعم الهزيمة..

ورغم ما حدث فقد أظهرت النتائج الأولية أن حوالي 60% من الناخبين لم يصوتوا لعمدة روصو الذي تقدم في نتائج الانتخابات، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مشروعية هذا الانتخاب.

 

وبالعود إلى "قانون النسبية" وتتبع تاريخ تطبيقه في مقاطعة روصو نكتشف الآتي:

 

في عام 2006 بدأ تطبيق هذا القانون في أول انتخابات يتم تنظيمها تحت اشراف المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، بعد الإطاحة بنظام العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

 

أعلنت وزارة الداخلية حينها، والتي كان يقودها وزير الداخلية الحالي محمد أحمد ولد محمد الأمين، عن تطبيق "النسبية المطلقة" في كافة المجالس البلدية، مع السماح لتلك المجالس بإمكانية اختيار العمدة من بين أعضائها، حتى وإن كان انتخب في المرتبة الأخيرة.

 

وقد انتخب حينها مرشح تكتل القوى الديمقراطية "فاسا يرم" عمدة لبلدية روصو خلال "التنصيب" رغم أنه لم يحصل على أغلبية الأصوات، لكنه احتل المرتبة الأولى، وانتخب بتحالف واسع مع عدد من الأحزاب المشكلة للمجلس البلدي حينها.

 

أما في بلدية جدر المحكن، فقد انتخب أعضاء المجلس البلدي حينها المرشح الشيخ ولد المولود عمدة للبلدية، رغم أنه خلال مرحلة التصويت احتل المرتبة الثانية.

 

وقد وقعت في تلك الفترة الكثير من "الانقلابات الانتخابية"، وانتخب لرئاسة المجالس البلدية عددا من العمد الذين فشلوا في الحصول على أغلبية الناخبين.

 

وفي انتخابات 2013 التي أعقبت ذلك، وفي فترة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز اجمعت الأحزاب المشاركة حينها على التراجع عن "تطبيق النسبية" في الشوط الأول، مع التأكيد على أن العمدة يكون هو رأس اللائحة المنتخبة.

 

وقد عادت الحكومة في انتخابات مايو 2023، لتطبيق "النسبية المطلقة" في كافة المجالس البلدية والجهوية، مع التأكيد على أن العمدة يكون رأس اللائحة التي حصلت على أغلبية الأصوات.

 

لكن هذه الوضعية ستطرح الكثير من الاشكالات، خصوصا في بلدية روصو التي انتخب لها مجلس بلدي "أغلبيته" معارضة للائحة العمدة.

 

فقد حصلت الأحزاب التي ترشحت ضد "الإنصاف" على 12 مقعدا، مقابل 9 مقاعد فقط تقف إلى صف العمدة، وهو ما يمكنها بـ "التحالف" من انتخاب كافة العمد المساعدين، والتصويت بشكل مستمر ضد "الحساب الإداري" وقد يؤدي ذلك إلى مرحلة "حجب الثقة" عن العمدة، تمهيدا لانتخاب عمدة جديد.

 

ولعل هذه الوضعية هي ما جعلت البعض يعتبر أن "انتصار" حزب "الإنصاف" في روصو هو "انتصار بطعم الهزيمة"، خصوصا أن مصادر "وكالة أنباء لكوارب" تؤكد بدء الأحزاب المشكلة لمجلس بلدية روصو في التحرك من أجل "تحالف واسع" يبدأ من التصويت في الشوط الثاني، وينتهي بالسيطرة على المرحلة المقبلة من "تسيير بلدية روصو".

 

 

19 May 2023