العسكر يكتبون الفصل الجديد.. هل تنجح النيجر في الخروج من النفق؟

حسين أغ عيسى لنصاري
في خُطوةٍ تَـمَّتْ بِحُفْلٍ مُهيبٍ اليوم الأربعاء 26 مارس 2025، بـ نيامي، جرى تَنصيب الجنرال عبد الرحمن تياني رسميًا رئيسًا لجمهورية النيجر، مع تَرقيته إلى رتبة "جنرال الجيش"، في مشهدٍ يَختزلُ تعقيدات الوضع السياسي في البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المدني محمد بازوم في يوليو 2023.
هذه المراسم، التي رافَقها منح تياني وسام "السيد الأكبر للأوسمة الوطنية"، تُمثِّلُ محاولةً لترسيخ شرعية النظام الجديد تحت غطاء "إعادة التأسيس"، لكنها تطرح أسئلةً عميقةً حول طبيعة هذه المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن تقود البلاد إلى الديمقراطية، بينما تُشير الوقائع إلى أن العسكر يَحرصون على تمديد هيمنتهم تحت شعاراتٍ وطنيةٍ برَّاقة.
حل الأحزاب والعفو الانتقائي... لعبة القمع والترويض:
القرارات التي أصدرها تياني فورَ تنصيبه، ولا سيما حلُّ الأحزاب السياسية والعفو عن بعض السجناء، تَكشِفُ عن رؤيةٍ تعتمد على خليطٍ من القمع المُنتقَص والترويض المحدود. فمن جهة، يَهدفُ حلُّ الأحزاب إلى تفريغ الساحة السياسية من أي معارضةٍ منظمة، وهو سيناريو يُذكِّرُ بما حدث في جارتها وحليفتها الودودة مالي حيث تمّ إفراغُ الحياة السياسية تدريجيًّا بعد الانقلاب العسكري.
ومن جهة أخرى، فإن العفو عن السجناء السياسيين، رغم أنه قد يُنظَر إليه كبادرة مصالحة، إلا أنه يبدو انتقائيًّا بامتياز؛ إذ يُتوقع أن يشملَ أساسًا معارضي النظام السابق (أي معارضة بازوم)، بينما من المُرجَّح أن يَستثني أولئك الذين اعتبرهم المجلس العسكري "خونة" أو "تهديدًا للأمن القومي"، وهم في الغالب أعضاء النظام السابق بما فيهم بازوم نفسه، ومعارضون لحكم العسكر أو ناشطون رفضوا الانقلاب. هذه الديناميكية تُظهر أن النظام الجديد يَسعى إلى تحسين صورته دون منح ضماناتٍ حقيقيةٍ للحريات والمصالحة أو المشاركة السياسية.
"إعادة التأسيس" أم تمديد الهيمنة؟
وفي سياقٍ أوسع، فإن إعلانَ "ميثاق إعادة التأسيس" يَبدو كمحاولةٍ لطي صفحة السنوات الماضية وبدء مرحلةٍ جديدةٍ تُحسب من الصفر، رغم أن العسكر ظلوا يحكمون البلاد منذ نحو عامين. هذا التكتيك يُشبه إلى حدٍّ كبير ما حدث في مالي، حيث تمّ تمديد الفترة الانتقالية مرارًا تحت ذرائع مختلفة، بينما استمر الجنرالات في السيطرة على مفاصل الدولة. واللافت هنا أن النيجر، مثلها مثل مالي، تتجه نحو تعزيز تحالفاتها مع روسيا على حساب العلاقات التقليدية مع فرنسا والغرب، في إطار خطابٍ يَرفع شعار "محاربة الاستعمار الجديد" ويُبرّرُ القبضة الأمنية الصارمة للجيش بحجة مواجهة التهديدات الخارجية والوضع الأمني المتدهور.
لكن السؤال الذي يَفرض نفسه: هل ستنجح هذه الاستراتيجية في تحقيق الاستقرار، أم أنها ستُدخل البلاد في حلقةٍ مفرغةٍ من العسكرة والمزيد من الانعزال الدولي؟
روسيا في الخلفية... من يدفع الثمن؟
أما على الصعيد الدولي، فإن المشهد لا يَبدو أكثرَ إشراقًا، ففي الوقت الذي تَتشدد فيه الدول الغربية في عدم قبول النظام الجديد، نجد أن التحالفات الإقليمية تتشكل وفق معادلاتٍ جديدة، حيث تَتقارب النيجر مع أنظمةٍ عسكريةٍ أو شموليةٍ أخرى، مالي وبوركينا فاسو، وتَتعمق علاقاتها مع روسيا التي تَستغل الفرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة. لكن هذا التقاربَ مع الكرملين ليس مجانيًّا، وهو ما يَطرح تساؤلاتٍ حول الثمن الذي ستدفعه النيجر مستقبلًا، سواء على مستوى السيادة الوطنية أو فيما يتعلق بالموارد الطبيعية التي تَشتهر بها البلاد.
ختامًا، يُمكن القول إن تنصيب تياني ليس سوى فصلٍ جديدٍ من فصول الحكم العسكري في منطقة الساحل، حيث تَتم تغطية الهيمنة العسكرية بشعارات الوحدة الوطنية وإعادة البناء، ليبقى التحدي الأكبر الذي يُواجه النظام الجديد هو أن الشعب النيجري، رغم صبره التاريخي، قد لا يَقبلُ بأن تتحول "الانتقالية" إلى حكمٍ دائمٍ بلا أفقٍ ديمقراطي.
فهل يَنجح العسكر في ترويض المعارضة وإدارة اللعبة السياسية لسنواتٍ أخرى، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية سَتُجبرهم على تقديم تنازلاتٍ حقيقية وتنظيم انتخابات نزيهة ينتخب من خلالها رئيس مدني بشكل ديمقراطي؟
الإجابة عن هذا السؤال ستحدد مصير النيجر في السنوات القادمة، ليس فقط كدولة ديمقراطية، ولكن أيضًا كحلقةٍ في الصراع الإقليمي والدولي الدائر في الساحل الإفريقي.